تحج الناس إلى المصيلح، كما لو أن الانتخابات غداً. منذ عام ونصف العام، عاد النائب هاني قبيسي لإدارة مكتب الرئيس نبيه بري في منزله الجنوبي. مذذاك، استعادت المصيلح موقعها الذي تفرضه حاجات المواطنين في ظل تغييب الدولة من جهة، ونفوذ بري المتوغل في إداراتها من جهة أخرى. قبيسي شغل المنصب نفسه منذ تأسيس مكتب المراجعات فور انتخاب بري نائباً عن الزهراني عام 1992. يقر الأخير بأن نوعية المراجعات اختلفت. غالبيتها طلبات مازوت من منشآت الزهراني المقابلة. لا ينكر بأن زمالة مدير عام المنشآت زياد الزين في «أمل» يسمح للحركيين بالاستفادة من خدماتها. لا يهدأ هاتفه. اتصالات من رؤساء بلديات وأصحاب محطات ومولدات وأصحاب مصالح ومدراء (....)، يطلبون منه بالتوسط لدى الزين لإرسال مئات أو آلاف الليترات. وساطة قبيسي لا يردها الزين. مفعولها الذي يشبه السحر دفع العشرات من مختلف الانتماءات والمناطق والطوائف لأن يقصدوه، طامعين بوساطته، من الناقورة إلى الهرمل. مع ذلك، يرفض توصيف منشآت الزهراني بماكينة الحركة الانتخابية لعام 2022. «واجبنا بأن نخدم الناس بانتخابات أو بلا انتخابات». لا يعير قبيسي أهمية لاتهام «أمل» وغيرها من أحزاب السلطة بالمسؤولية عن تغييب عمل الدولة لصالح الزعماء لضمان ولاء المواطنين. يعنيه الأمر الواقع. «وزارة الطاقة هي مسؤولة عن التوزيع العادل لمازوت الزهراني، لكنها لا تفعل. الكل مشترك بالسرقة من بعض شركات الاستيراد والتوزيع إلى أصحاب المحطات والمولدات. خلي الدولة تحاسب. ما يهمني ألا يقعد الناس في العتمة». هو نفسه، اكتشف بأن بعض من توسط لهم للحصول على مازوت الزهراني باعوه في السوق السوداء أو خزنوه.إضافة إلى طلبات المازوت، تصل إلى قبيسي يومياً عشرات المراجعات للحصول على أدوية مفقودة. من صندوق الحركة والتبرعات، تشتري المصيلح أدوية «أو تطلب من الإخوة المغتربين إرسالها». يثق قبيسي بمفعول تلبية حاجات الناس من قبل نائبهم أو حزبهم. لكن ليس بالمازوت والدواء وحده يحيا الحركي. عصفت الأزمة العامة بـ«أمل» التي عانت أخيراً من تراجع في شعبيتها لأسباب تراكمية منها التنافس بين أقطابها وتورط بعض ممثليها بالفساد. انتظر البعض بأن تستدرك القيادة باكراً احتمال التراجع في أصوات ناخبيها في الانتخابات النيابية المقبلة وتعوض نتائج انتخابات 2018. وربطوا الاستدراك بعقد المؤتمر التنظيمي الخامس عشر في موعده وإصدار توصيات تحمل تغييرات إيجابية وإقصاء للرموز التي تستفز القاعدة، لا سيما بعد أحداث 17 تشرين. لكن وبشكل لافت، أعلن بري خلال ترؤسه اجتماع المجلس المركزي للحركة الأربعاء الماضي عن تأجيل المؤتمر لعامين كحد أقصى. قبيسي برر التأجيل بـ«الجو العام الذي لا يسمح بإجراء تغييرات حركية داخلية». إذ إن «أمل» مقتنعة بضرورة تسليم القيادة والمفاصل إلى وجوه شبابية، كما فعلت جزئياً في المؤتمر السابق عام 2018. «لكن في ظل الظروف الحالية، الشباب الصغار قد لا يستطيعون مواجهة أزمات الشارع والضغوط الهائلة من قبل الناس المحتاجة».
لكن مصادر حركية أخرى ربطت تأجيل المؤتمر بـ«التوافق على التوازن القائم بين الأقطاب الذي أفرزه المؤتمر الماضي». علماً بأن المؤتمر الرابع عشر نفسه كاد يؤجل بسبب تنافس الأقطاب نفسها على التعيينات، أبرزها رئاسة الهيئة التنفيذية، إلى أن جيء بمصطفى الفوعاني كمرشح تسوية. وإذا كان بري قد ركل كرة النار عامين إلى الأمام، لكنه لم يستطع أن يغفل عن الإشكالات التي حصلت أخيراً في بعض البلدات وأظهرت إلى العلن التنافس الحاد بين بعض قياديي الصف الأول. في البيان الذي عمم عقب اجتماع المجلس المركزي، نقل عن بري قوله إنه «ممنوع تحت أي عنوان من العناوين على أي أحد كائناً من كان في تنظيم الحركة بأن تسول له نفسه بأن يلقي بسيئاته الشخصية والنفعية في مياه نهر حركة أمل». فُهم بأنه يصوّب على حادثة إطلاق النار في العباسية (قضاء صور) التي وقعت على خلفية رفض إحدى محطات الوقود تعبئة البنزين بإشراف البلدية المحسوبة على «أمل». وبالرغم من أن أصحاب المحطة يحسبون على العميد يوسف دمشق مسؤول حماية بري، إلا أن الغطاء رفع عنهم. أقفلت المحطة بالشمع الأحمر وسطرت بحق أصحابها مذكرات توقيف، وداهم فرع المعلومات مراكز تابعة لهم في ضواحي صور، بعدما أطلقوا النار على الزبائن.
لم يتطرق اجتماع «المركزي» إلى الاستحقاق النيابي الوشيك. لكن التنظيم شكل الماكينات في المناطق من دون أن تطلق عملها. يعد قياديّ بـ«تغييرات إيجابية تعيد للحركيين الثقة بتاريخها».