الأدلة العديدة المُرفقة بطلبات الادّعاء على حاكم البنك المركزي رياض سلامة، والمعلومات حول عمله «المشبوه» التي تمكّنت مجموعات عدّة من جمعها وتوزيعها، وضعها الحاكم في خانة أنّ «الجهات نفسها تقف وراء الدعاوى وأنّ الأمور ستظهر تدريجاً... ويتمّ استعمالي كبش محرقة في العديد من المحلّات» (كما قال في مقابلته مع إذاعة «لبنان الحرّ»). عبر تحويل الفضيحة إلى «مشكل حيّ»، حاول سلامة تفريغ التحقيقات والادعاءات القضائية ضدّه في أوروبا من مضمونها، وحرف الأنظار عنها عن طريق تصوير نفسه «ضحية مؤامرة». ولكنّ المُشتبه فيه بجرائم اختلاس وتبييض أموال والاستغلال الوظيفي، يُدرك أنّ ما ذكرته وسائل الإعلام الغربية وما تضمنته التقارير المُوجّهة إلى القضاء ليس هراءً، وأنّ الاعتراض على حُكمه والطريقة التي أدار بها السياسة النقدية أمرٌ مُشترك بين المؤسسات المالية العالمية.في السنوات السابقة، كان هؤلاء يُعبّرون عن مواقفهم في الاجتماعات غير العلنية بين مصرف لبنان ووزارة المالية من جهة، وبين بعثات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من جهة أخرى. فمنذ أيام رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، انتقد الخبراء الغربيون سياسات المالية العامة ومصرف لبنان، وتحديداً الانكشاف الكبير على المديونية العامة وتثبيت سعر الصرف. تطوّر الأمر وصولاً إلى أن «اكتُشفت» الفجوة المالية في حسابات مصرف لبنان، في مسودة التقرير الذي أعدّته - عام 2016 - لجنة مشتركة للبنك الدولي وصندوق النقد، وذكرت أنّ «صافي احتياطات/ مطلوبات المصارف التجارية على مصرف لبنان سلبي بـ4.7 مليارات دولار أميركي وفقاً للأرقام المتاحة حتى كانون الأول 2015». قال ممثّل صندوق النقد لسلامة: «أنتم على شفير الانهيار»! إلا أنّه في تقريرها النهائي، اختارت البعثة أن لا تفضح الخسائر في حسابات مصرف لبنان، ولا الوضع المأسوي الذي سيصل إليه البلد بسبب سياسات القطاع المالي.
انتقد البنك الدولي انعدام الوضوح في السياسات النقدية العامة


المفارقة أنّ الانتقادات لسلامة كانت «خلف الجدران»، ليتبدّل ذلك بعد حصول الانهيار عام 2019.
«لبنان يغرق»، عَنون البنك الدولي تقريره الصادر في ربيع عام 2021، مُصوّباً على انعدام الوضوح في السياسات النقدية العامة التي يضعها «الصانع الحصري للسياسات، مصرف لبنان»، بحسب وصفه. اعتبر البنك الدولي أنّ التضخم «ضريبة بشعة وغير متناسبة تُصيب الفقراء والأضعف والذين يعيشون من رواتبهم التقاعدية». انتقد تعدّد أسعار الصرف، والتدهور في العملة المحلية، وتدفيع الثمن لصغار المودعين والمؤسسات الصغيرة، وإنشاء منصّة صيرفة، سائلاً إن كان مصرف لبنان والمصارف «وفي ظلّ غياب أي حلّ مستدام سيواصلان إنفاق دولاراتهما؟». وتناول في هذا الإطار، عدم القيام بأي إجراء لمعالجة أوضاع المصارف، بعد انتهاء مهلة تطبيق التعميم الرقم 154 (تكوين سيولة لدى المصارف المراسلة بما لا يقل عن 3 في المئة من مُجمل الودائع كما كانت في منتصف عام 2019، وزيادة رأسمالها بنسبة 20 في المئة).