في 25 أيلول 2000، قدّمت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تقريراً مختصراً من 22 صفحة للكونغرس، نزولاً عند طلب هذا الأخير، حول دورها في الانقلاب الذي وقع ضد حكومة رئيس تشيلي المنتخب ديمقراطياً، الاشتراكي سيلفادور ألليندي في 11 أيلول 1973. لم يتضمن التقرير معلوماتٍ وافية عن هذا الدور، الّا أنّ الوكالة أقرّت بأنها جنّدت مجموعةً من كبار العسكريّين، بينهم أوغستو بينوشيه، قائد الانقلاب، ومانويل كونتريرا، رئيس المديرية الوطنية للاستخبارات، للعمل ضد ألليندي والتصدي لسياساته. هي اعترفت أيضاً بأنها موّلت وسلّحت ثلاث مجموعات يمينية متطرفة لمنع ألليندي من الوصول إلى السلطة في اطار خطة «القناة 11». إحدى هذه المجموعات، التي قادها الجنرال المتقاعد روبرتو فيو، كانت مكلفة باغتيال قائد الجيش التشيلي رونيه شنيدر، الذي أصرّ على حياد المؤسسة العسكرية خلال العملية الانتخابية، واحترامه لنتائجها. اغتالت المجموعة شنيدر في 1970، لكن المحاولة الانقلابية التي تورطت فيها فشلت. سبب عداء واشنطن لألليندي كان توجّهاته الوطنية الاستقلالية وبرنامجه الاقتصادي والاجتماعي الإصلاحي الذي نصّ على تأميم الثروات الوطنية، وتحديداً مناجم النحاس التي كانت مملوكةً من شركات أميركية، وإطلاق عمليّة تنمية تعطي الأولوية لتلبية الاحتياجات الأساسية للطبقات الشعبية في بلاده.
نجحت الاستخبارات الأميركية في افتعال أزمة اقتصادية واجتماعية ووظّفتها لتعميق الانقسامات الداخلية

ما لم يكشفه تقرير الوكالة هو إشرافها المباشر، بالتعاون مع أحزاب اليمين واليمين المتطرّف، على برنامج يهدف إلى زعزعة الاستقرار في تشيلي وإفشال سياسات ألليندي تمهيداً للانقلاب عليه وإزاحته من السلطة. ومنذ سنة 1971، انطلق «حراك اجتماعي» بدأ بسلسلة إضرابات لتجّار المواد الغذائية، تبعتها إضرابات متكرّرة لوسائل النقل، لمنع توزيع المواد الغذائية والسلع الأساسية في أنحاء البلاد. تلت ذلك تظاهرات كبيرة ومتكرّرة لأنصار اليمين تخلّلتها أعمال عنف وصدامات مع قوى اليسار واليسار الجذري. أدّت هذه التطورات، التي فاقمت من حدّتها ضغوط أميركية وغربيّة، إلى تضخّمٍ بنسبة 600% في 1972، وإلى احتجاجات شعبية شاركت فيها فئات من الطبقة الوسطى وعمال المناجم. نجحت الاستخبارات الأميركية في افتعال أزمة اقتصادية واجتماعية، ووظّفتها لتعميق الانقسامات الداخلية في تشيلي تمهيداً للانقلاب العسكري الذي أدى إلى استشهاد سيلفادور ألليندي، الذي قاد بنفسه الدفاع عن القصر الجمهوري، وإلى إقامة إحدى أبشع الديكتاتوريات العسكرية، المسؤولة عن قتل واختطاف وسجن عشرات آلاف التشيليّين.