لم ينتظِر وزير الداخلية السابِق والنائب الحالي نهاد المشنوق جلسة المثول أمام الهيئة العامة لمجلس النواب. استبقَ ذلِك بخطوة ترافَع فيها عن نفسه أمام الرأي العام، قبلَ أن يوكِل المهمة لمحاميه الذي سيتولّى ذلِك في وجه النواب الذين طلبوا اتهامه بالضلوع في جريمة مرفأ بيروت. المشنوق على ما يبدو لم يعُد قادراً على حمل «ثقل» التهمة، ظناً منه أن نفيها بـ«دلائل دستورية – قانونية» أمام الناس قبلَ زملائه قد ينصِفه. وفي مؤتمر صحافي أمس، أعلنَ أنه «وصلني مستند واحد حول الباخرة روسوس والنيترات منذ 2014 حتى لحظة مغادرتي الوزارة وسألت عمّا يكون النيترات فكان الجواب مادّة تُستخدم سماداً زراعياً». وقال إنه «لا علم لي بأن النيترات نزلت على الأراضي اللبنانية، الإمرة الأمنية في مرفأ بيروت هي للجيش اللبناني»، سائلاً «كيف لبضاعة تمر من خلال ترانزيت أن تُثبت شبهة جدية ووفق أي منطق؟ إذا كان عليّ شبهة جدية فالقاضي الذي أمر بإنزال البضاعة ووضعها في العنبر ما الممكن أن تكون تهمته؟ ما علاقتي بالبضاعة التي تم إنزالها؟ لماذا لم تتم دعوة وزراء الدفاع والعدل للإدلاء بشهادتهم في هذا الموضوع؟ كيف يكون القصد الاحتمالي بالقتل قبل 6 سنوات وعبر بضائع على متن باخرة ترانزيت»؟وفي حديثه أشار إلى أن «هيئة القضايا (في وزارة العدل) نفت خطورة المواد، كان من الممكن أن أكون واحداً من الضحايا لكن اليوم الأمور ذهبت إلى مكان لا يمكن تحمله، لأن الاتهامات تبدو حاسمة وجازمة ونهائية». وشدّد على أنّ «احترام الدستور والقوانين يوجب مساءلة الوزراء أمام الهيئة المعنية»، باعتبار أن «لا قانون فوق الدستور الذي يقول إنه ترفع الحصانة ويحاكم الوزراء (أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء) لأن الادعاء بسبب مهامهم الوزارية وليس بكونهم نواباً».ما قاله المشنوق لن يكون بعيداً عمّا سيُدلي به زملاؤه الوزراء السابقون المُدعى عليهم (يوسف فنيانوس والنائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر). فالمذكورون بصدد تحضير مطالعاتهم للرد على عريضة «طلب اتهام وإذن بالملاحقة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، استناداً إلى القانون 13 الصادر عام 1990»، التي وقعها عدد من النواب، على أن تُرسل هذه المطالعات يوم الاثنين إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، والتي ستُرسلها بدورها إلى النواب للإطلاع عليها خلال مدة لا تتجاوز العشرة أيام، ليُصار بعدها إلى الدعوة لجلسة للهيئة العامة، حيث سيترافع الوزراء الأربعة المدعى عليهم عن أنفسهم أو عبر محاميهم، ومعهم رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.
العريضة النيابيّة لا تزال سارية لأن التراجع عنها في الإعلام لا يكفي


وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن اتصالات تنسيقية حصلت بينهم للاتفاق على السياق الذي سيسيرون به للرد على عريضة الاتهام استناداً للمادة 13/90، وعلى التهم التي وردت في كتب المحقق العدلي التي حددت «الأمور التي قد يتبيّن منها شبهة». وبحسب المعلومات «سيسرد هؤلاء ما حصل معهم بالتفصيل لجهة المراسلات التي وصلتهم، والجهة التي أرسلت إليهم المراسلات وماذا ورد فيها وكيف تمّ التعامل معها، وأبرز نقطة فيها أنهم كمدنيين لا يعلمون بماهية هذه المواد، وأنهم كوزراء لا صلاحية لديهم لأن القضاء هو من وضع يده على الملف». وبما أن نصّ القانون يقضي بأن يكون هناك محامٍ مع كل مدعى عليه، فقد أوكلَ المشنوق المحامي نعوم فرح، أما زعيتر فربما يوكل المهمة إلى المحامي سامر الحاج. أما خليل وفنيانوس فقد قرّرا أن يترافعا عن أنفسهما باعتبارهما محاميين.
ومن المفترض أن يسير الملف في المجلس وفقَ الآتي: بعدَ تحديد جلسة للهيئة العامة يقدّم فيها المدعى عليهم مرافعاتهم، يذهب المجلس إلى التصويت. وإما يتبنّى الاتهام بالثلثين ويحال الملف على لجنة تحقيق نيابية (مؤلفة من رئيس وعضوين يجري انتخابهم بالاقتراع السري) أو يرفض العريضة ويقول بأن «لا تهم تستوجب محاكمتهم». وفي حال وافقت الهيئة العامة على العريضة تؤلف اللجنة وتحقق معهم وترفع تقريرها إلى الهيئة العامة لمجلس النواب من جديد، فإذا صوت المجلس بالثلثين، يمثل المدعى عليهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بحسب المادة 71 من الدستور. كذلك يُصدر المجلس الأعلى أحكامه بأكثرية 10 أعضاء من أصل مجمل أعضائه البالغ عددهم 15 عضواً (8 قضاء و7 نواب).
وبعدَ أن أثار إعلان كلّ من نائبي كتلة «المستقبل» ديما جمالي وسامي فتفت وعضو كتلة «الحزب السوري القومي الاجتماعي» النائب سليم سعادة والنائب عن جمعية المشاريع الإسلامية عدنان طرابلسي وعضو كتلة «الوسط المستقل» نقولا نحاس سحب تواقيعهم عن عريضة الاتهام الجدل حول قانونيتها، أكدت مصادر نيابية أن «ذلك حصل عبر التصريح على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وهذا لا يسقط عن العريضة قانونيتها، لأن التصريح الشفهي لا يُعتد به بل سحب التواقيع يجب أن يتمّ بكتب خطية تسجّل أصولاً لدى المجلس النيابي». أما سياسياً، فقد قالت مصادر مطلعة أن «الرئيس سعد الحريري تحدث إلى نواب كتلته وأبدى انزعاجاً من هذه التصاريح، كما أجرى اتصالات مع الرئيس نجيب ميقاتي كي يتراجع نحاس عن سحب توقيعه». وفي هذا السياق، تساءلت المصادر عمّا إذا كانَ الخُمس المطلوب للتوقيع على العريضة سيبقى مؤمّناً، وعما إذا كانَ عدد الثلثين المطلوب للموافقة على توجيه الاتهام أيضاً سيكون متوافراً في حينه، أم سيؤدي الملف إلى اشتباك سياسي كبير في الهيئة العامة، بخاصة أن «هناك انقساماً كبيراً وعميقاً بينَ الكتل النيابية، حتى المتحالفين»، في وقت دخلَ الملف النفق السياسي - الانتخابي، وظهر التعامل معه واضحاً لجهة استغلال دماء الشهداء واستثماره بالمزايدات.
وكانت لجنة أهالي ضحايا وشهداء المرفأ قد نظمت وقفة احتجاجية أمس أمام قصر العدل. وطالب الأهالي النيابة العامة التمييزية بـ«إعطاء إذن الملاحقة في حق المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، لمثوله أمام المحقق العدلي، مع التأكيد على رفع الحصانات السياسية عن المسؤولين المدعى عليهم، وعلى إصدار رئاسة الحكومة الإذن بملاحقة اللواء طوني صليبا».