على إيقاع طوابير محطات البنزين، حطّ العرض الرّوسيّ، بجدّية في ظل شعار «عدم القدرة على اتخاذ القرارات» وشعار تصريف الأعمال الذي التزمت حكومته بدعة النأي بالنفس عن تحمُّل المسؤولية.
وبذريعة «تصريف الأعمال» عينها الّتي فرّط لبنان بها في العرض الصيني، يحاول وزراء الحكومة الحاليّة التفريط بالعرض الروسي. ثمّة اختلاف واحد بين الحالتين: «روسيا ليست الصين»، تقول مصادر مقرّبة من الوفد الرّوسي لـ«الأخبار» لدى السؤال عن إمكانية تشابه مصير العرضين.

تفريغُ هذه المشاريع من مضامينها، في وقتٍ يرزح فيه اللبنانيون تحت وطأة انقطاع آخر مقوّمات العيش، يبدو خدمة صريحة للمتضررين من هذه المشاريع: كارتيلات النفط والكهرباء والنقل... إلى المتضرّرين في السياسة.

بالإضافة إلى الكارتيلات، تشير المصادر إلى حديث وجهة نظر في موسكو عن متضرر محتمل آخر من تأهيل مصفاتَي التكرير في الزهراني وطرابلس: «منتدى غاز شرق المتوسط»، تحالف الطاقة الذي يضم قبرص واليونان و«إسرائيل» ومصر. وذلك على اعتبار أن الأخير يتخوّف من أن يتّفق لبنان وسوريا والعراق على الثروة النفطية والغازية والبترولية التي تمتلكها هذه الدول «ما يُهيّئ لتشكيل نواة لشيء مختلف عن المنتدى».

إزاء كل ما تقدّم تبدو مواقف أبرز القوى السياسية من العرض الروسي كالتالي:

«التنمية والتحرير»
يعبّر النائب ياسين جابر، وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية، لـ«الأخبار»، عن إيمانه بأن «مستقبل لبنان هو لمشاريع الشراكة»، معتبراً أنّ «الخصخصة الكاملة تجربة قاتلة. الوسيلة الأمثل هي الشراكة بين القطاعين العام والخاص». ويلفت إلى أن هناك قوانين تتعلّق بالشراء العام تشكّل شفافية في مقاربة المشاريع ومنها المشروع الروسي»، مضيفاً: «تفاصيل العرض لا نعرفها، وليجتمع مجلس الخصخصة والشراكة ويصرّح بأنه يريد مصفاة».

«اللقاء الديمقراطي»
«بين روسيا وأميركا اختلاف في المصالح، وتنازُع مركزه أرضنا». يقول مصدر في كتلة «الاشتراكي». وهو يرى أن لموسكو مطامع كالأميركي، والآن يتمّ تنظيم الخلاف بينهما. كما يلفت إلى أن للدولتين علاقة جيّدة مع «إسرائيل»، بالتالي فإنّ «إسرائيل» تلعب دورها عبر روسيا في لبنان وتحديداً في منطقة حساسة كالجنوب، هذا بما يتعلّق بمصفاة الزهراني.
ومن جهة ثانية، فإنّ «الأميركي يعمل على إبعاد الجميع عن مرفأ بيروت، ويبدي اهتماماً بمرفأ طرابلس، لأنه على أبواب سوريا، والأهمّ بعده عن مناطق نفوذ حزب الله». ويضيف أنّ داخل «مرفأ طرابلس، مرفأ آخر من حيث حجمه، الذي يتميز باستراتيجية موقعه، على طريق الحرير. موقعه يستقطب الشركات الجاهزة للاستثمار. بالتالي، الأميركي لن يُفرّط به لأجل الصين. فيما الروس لن يتركوا المرفأ ملعباً للأميركي».

«المستقبل»
يشير نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش، لـ«الأخبار»، إلى حديث الإعلام عن أنّ الشركة الروسية التي تقدّمت بالمشروع إلى لبنان «وهميّة»، وإن كان الحكم على الشركة «إن كانت وهمية أو لا يعود للوزارات المختصّة». ويرى أن العرض «يحتاج إلى مزيد من الدراسة». ويعتبر أننا بلد مفلس «يحتاج إلى العملة الصعبة»، مشدداً على أنّ «المهم ما نفوت بالحيط». ويضيف: «سوقنا مفتوح، وبلدنا مفتوح للاستثمارات»، داعياً «الشركات الأميركية إلى أن تُقدّم بدورها عروضاً».

«الجمهورية القوية»
يعتبر النائب عماد واكيم أنّ «أي مشروع مقدّم من أي دولة طالما فيه خدمة لحاجات اللبنانيين فلا مشكلة فيه». «التكتُّل قد اجتمع ليدرس العرض الروسي ولكن لا تفاصيل كافية لديهم عنه بعد»، يضيف، مشدداً على أنّ «الشفافية والوضوح في أي طرح هما الأساس ليتمّ قبوله».

«الوطني الحر»
يربط النائب السابق أمل أبو زيد، وهو مستشار الرئيس ميشال عون لشؤون العلاقات مع روسيا، مسار الموافقة أو رفض المشروع الروسي بتشكيل حكومة. ويعلّق على ما كُتب في وسائل الإعلام عن العرض الروسي بالقول: «البعض اكتفى بنقل الخبر فيما البعض الآخر نقل وعلّق سلباً».
«السفير الروسي في لبنان روداكوف جال مع الشركة الروسية الّتي انتدبتها الدولة الروسية لمشاريعها في لبنان، لإعطاء طابع رسميّ وجديّ للمشروع». ويتابع: «أنا تبلّغت بعرض الوفد الروسي بشكل رسمي في وزارة الخارجية الروسية، مع وزير الخارجية ورئيس هذه الشركة، وبطلب من القيادة الروسية سيأتي تجمّع شركات إلى لبنان على رأسه هذه الشركة التي تتعاطى كهرباء وبترولاً ومرافئ».
يعتبر أبو زيد أن ثمة «تسخيفاً للموضوع لأسباب سياسية؛ لا يريدون لروسيا أن تستثمر في لبنان». ويرفض فكرة أن يتسبب المشروع الروسي بأي معركة روسية-أميركية: «مجال العمل في لبنان مفتوح على كل الأقطاب. مصلحة البلد هو التنوّع». ويسأل: «ألا تتواجد أميركا وروسيا سوياً في الإمارات ومصر وتركيا وغيرها؟» إلا إذا كان هناك من يعتبر أنه «ممنوع على لبنان أن يكون عنده إلا منفذ واحد في السياسة والاقتصاد».
أمّا عن مصلحة موسكو، فيقول: «الموقع الاستراتيجي على البحر المتوسط لروسيا بحاجة إليه، وخلال الأزمة السورية تواجدت في طرطوس وفي اللاذقية انطلاقاً من الاتفاق مع الدولة السورية. مرفأ طرابلس استراتيجياً مهم لأنه قريب من نقاط روسيا في سوريا».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا