لم يكن ينقص قطاع الكهرباء سوى إعلان شركة «كارادينيز» التوقف عن تشغيل البواخر، أحد المصادر الأساسية للطاقة في لبنان. قرار الشركة التركية، الذي تسلّمته كهرباء لبنان السبت الماضي، لا يمكن فصله عن القرار الذي أصدره المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم بالحجز على باخرتي الشركة إلى حين بتّ قضية العمولات التي دفعتها الشركة لترسو المناقصة عليها، والتي ينص العقد معها على دفعها بنداً جزائياً بقيمة ٢٥ مليون دولار في حال ثبوت دفعها عمولات. مع ذلك، لم تتطرق رسالة الشركة إلى مسألة الدعوى، بل برّرت قرارها بتخلّف كهرباء لبنان عن الدفع (وصلت قيمة مستحقاتها على الدولة إلى نحو 150 مليون دولار). وعملياً، لم تدفع المؤسسة منذ أكثر من عام أي مستحقات للشركة، باستثناء 10 ملايين دولار الشهر الماضي. ,المشكلة مرتبطة أساساً بإصرار الشركة على قبض 90 في المئة من أموالها بالدولار النقدي، وهو أمر غير ممكن من دون موافقة مصرف لبنان.قرار الشركة ليس مفاجئاً للعاملين في القطاع، فهي لطالما اشتكت من تأخر الدفعات. وكانت مصادر مطلعة أشارت الى أن إدارة الشركة في تركيا سبق أن ضغطت على وكيلها رالف فيصل لوقف العقد قبل تاريخ انتهائه في 30 أيلول المقبل.
حتى اليوم لا تزال المؤسسة تدرس الخيارات القانونية، فيما تؤكد مصادر قانونية أن قرار التوقف عن العمل لا يعتبر فسخاً للعقد، وإن كان يحمل المفاعيل نفسها، علماً بأن ذلك ستتبعه إجراءات قضائية بين الطرفين. لكن حتى اليوم، صار واضحاً أن الشركة التي أشارت في رسالتها إلى أنها ستوقف البواخر عن العمل خلال خمسة أيام، مضطرة للاستمرار في تشغيلها إلى ما بعد عيد الفطر، بسبب وجود كميات من الفيول يُفترض استهلاكها، نظراً الى أن إجراءات إعادة الفيول إلى كهرباء لبنان معقدة (توقفت الشركة عن تسلّم الفيول بدءاً من الجمعة الماضي). وبذلك، فإن نحو 200 ميغاواط كانت تُنتج حالياً عبر الباخرتين التركيتين سترفع عن الشبكة (القدرة الانتاجية القصوى تصل إلى 370 ميغاواط)، لكن المؤسسة ستكون قادرة على تعويض جزء من هذه الكمية عبر معملي دير عمار والزوق، إلا في حال لم تستطع تأمين الفيول اللازم لهما.
ومسألة الفيول كانت مدار بحث بين وزيري الطاقة ريمون غجر والمالية غازي وزني ورئيس لجنة الطاقة النيابية نزيه نجم ومدير عام كهرباء لبنان كمال حايك، استكمالاً للاجتماع الذي عقد عقب تعليق المجلس الدستوري العمل بقانون سلفة الكهرباء. وبحسب نجم، فقد تم تأمين المبلغ الكافي لدفع ثمن شحنة الفيول grade A من خلال ما تبقى من سلفة 2020 (11 مليار ليرة) إضافة إلى تأمين المؤسسة لباقي ثمن الشحنة. لكن لا يزال البحث مستمراً في كيفية تأمين كلفة باخرة الفيول Grade B الراسية أمام الشاطئ.
وحتى لو لم يتم تأمين قيمة الشحنة، فإنه لم يعد هناك قلق من إمكانية إلغاء قانون سلفة الـ200 مليون دولار، بعدما حسمت مسألة إعادة العمل بالقانون. ما لم يحسم بعد هو تاريخ حصول ذلك، علماً بأن الحد الأقصى سيكون في 26 أيار، مع إمكانية أن يقرر المجلس الدستوري إعادة العمل به الإثنين المقبل.
200 ميغاواط خارج الخدمة بعد عيد الفطر


وفي التفاصيل، سلّم المقرر المعيّن من قبل رئيس المجلس الدستوري تقريره بشأن الطعن المقدّم من «القوات» بقانون سلفة الكهرباء أول من أمس. وعلى الأثر، دعا رئيس المجلس القاضي طنوس مشلب الأعضاء إلى جلسة أمس لتسليمهم نسخة عن التقرير تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب، في ضوء ما استجد من تطوّرات بوفاة عضو المجلس القاضي انطوان بريدي التي أفقدت المجلس النصاب القانوني للانعقاد (ثمانية من عشرة أعضاء). ونظراً إلى صعوبة تعيين بديل في الفترة المتبقية من مهلة درس الطعن، صار محسوماً اللجوء إلى المادة 37 من النظام الداخلي للمجلس (إذا لم يصدر القرار ضمن المهلة القانونية، يكون النص المطعون فيه ساري المفعول وينظّم محضراً بالوقائع، ويبلغ رئيس المجلس المراجع المختصة عدم التوصل إلى قرار). وعليه، فإن فترة الـ15 يوماً ستُحتسب بدءاً من يوم أمس، وتنتهي في 26 أيار نظراً إلى مصادفة 25 أيار يوم عطلة.
تجدر الإشارة إلى أن الحالة الراهنة لم يسبق أن شهدها المجلس الدستوري، على ما يؤكد رئيسه. فمهلة الـ15 يوماً لن تنتهي لأن المجلس لم يتمكن من الوصول إلى قرار، بل لأنه لا يملك نصاب الانعقاد الذي يتطلب حضور ثمانية أعضاء على الأقل. وهو أمر متعذّر اليوم، بسبب وفاة ثلاثة (القضاة الياس بو عيد وعبدالله الشامي وأنطوان بريدي) من أعضائه العشرة، من دون تعيين بدلاء عنهم.
المشكلة أن انعقاد المجلس أمس جرى بحضور سبعة أعضاء، لكن ذلك كان ضرورياً لاستحالة عقد جلسة بالنصاب القانوني، بالرغم من أن القرارات تصدر بأكثرية سبعة أعضاء. ولذلك، دخل أعضاء المجلس في نقاش قانوني يرتبط بصلاحية الانعقاد في هذا الظرف. وتناولوا الأمر من جهتين، الأولى مرتبطة بواجب اتخاذ قرار بإعلان الشغور في المجلس ونشره في الجريدة الرسمية (وهو شرط لتعيين بلاء عن المتوفين) والثاني يتعلق بانتظار انتهاء مهلة الـ 15 يوماً لكي يصبح القانون المعلق ساري المفعول مجدداً، أو بإعلان عدم قدرة المجلس على اتخاذ القرار بسبب الشغور، وبالتالي إعلان سريان مفعول القانون في جلسة الإثنين. لكن في الحالتين، وبالنظر إلى الإجراءات التي بدأت كهرباء لبنان باتباعها، وبالنظر إلى تحرير واحدة من باخرتي الفيول العالقتين، فإن أياً من الخيارين لن يكون له تأثير كبير على وجهة التغذية بالتيار في الفترة المقبلة، طالما أن الأساس هو عدم إلغاء قانون السلفة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا