عيد العمال يحل ضيفاً ثقيلاً على المياومين في الوظيفة العامة. اسم بلا مسمّى. إذ يُحسم هذا اليوم من راتب العامل بالساعة أو الفاتورة، وينكأ جراح فئة «عمالية» تعيش على إيقاع القلق الدائم من «تطييرها» وخسارة عملها، والحاجة الدائمة إلى نيل رضى الرئيس المباشر في العمل، أو «ولي النعمة» في التنظيم السياسي.انقلب المشهد في الوظيفة العامة بعدما تحوّل التعاقد (أجازه نظام الموظفين بالمرسوم الاشتراعي 112 /1969 بضوابط)، من استثناء يلجأ إليه الوزير في حالات محددة (تتطلب معارف أو مهارات أو مؤهلات خاصة)، إلى قاعدة. وتعددت صيغ الالتحاق بالوظيفة العامة من «غب الطلب» إلى «العمل بالفاتورة» إلى «التعاقد بالساعة»، وتُدرج بمجملها تحت مفهوم «المياومة»، وهي عمل مؤقت لا يستوجب عملاً دائماً ويُحرم المياوم من التقديمات الاجتماعية ونهاية الخدمة.
«لا يمكن تحميل المتعاقد، كل الوقت، انعكاسات سياسة التعاقد على أداء الإدارة العامة»، يقول رئيس حراك المتعاقدين في التعليم الثانوي الرسمي حمزة منصور. إذ أن «أركان السلطة السياسية ابتدعوا هذه الصيغة الوظيفية لإعفاء أنفسهم من متوجبات الراتب الشهري والضمان الصحي والتقديمات الاجتماعية، واتفقوا على إلغاء دخول الوظيفة العامة عبر مجلس الخدمة المدنية لإبقاء المتعاقد والمياوم تحت رحمتهم، وأفقدوا المتعاقدين أي حافز لتطوير أنفسهم بسلبهم الأمان النفسي والاستقرار الوظيفي».
في نهاية كل عام، يعيش المتعاقد مع الإدارة العامة «قلق عدم رضى الوزير عليه وإمكان فسخ عقده»، على ما يقول المتعاقد مع وزارة الزراعة منذ عام 2008 أحمد كاملة، مشيراً إلى أن المتعاقد، بخلاف موظف الملاك، «يعاني الأمرّين في الحصول على التقديمات الصحية والاجتماعية من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة».
في التعليم الأساسي الرسمي، مثلاً، المتعاقدون هم الكتلة الأكبر من المعلمين بنسبة تلامس 70 في المئة، ولا يمكن الاستغناء عنهم بسهولة. إلا أن الدولة تخلّت عن مسؤولية توزيع الساعات التعليمية عليهم، و«سلّمت» هذه المهمة للأحزاب السياسية النافذة. «الكلمة الفصل في إعطاء ساعات للمتعاقدين أو سحبها منهم تعود إلى المسؤول التربوي في الحزب السياسي لا للمدير»، كما تؤكّد رئيسة اللجنة الفاعلة للمتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي نسرين شاهين، «ويكون المتعاقد محظوظاً حين يكون منتمياً إلى المرجعية السياسية نفسها التي ينتمي إليها مدير المدرسة ورئيس المنطقة التربوية».
تُحسم عطلة عيد العمال من راتب العاملين بالساعة أو الفاتورة!


سياسة التعيين عن طريق حشو الأتباع في الإدارات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة تحت اسم «مياومين» ترسخت بديلاً للملاك الوظيفي، أو ممراً إلزامياً وحيداً لدخول جنة هذا الملاك عبر المباراة المحصورة بالمتعاقدين كما هي الحال في قطاع التعليم. وهذا ما يفسّر التعاقد مع أكثر من 200 أستاذ في التعليم الثانوي الرسمي عام 2019، بحصّة واحدة أسبوعياً لكل منهم. إذ يراهن هؤلاء على المباراة المحصورة وتشكيل حالة مطلبية تقود إلى التثبيت في الملاك.
«المستعان بهم» بدعة أخرى ابتكرت بصورة مؤقتة عام 2015 لانتظام سير الدراسة. لكن سرعان ما تحول هذا التوصيف الوظيفي إلى أحد أبواب التنفيعات. و«المفارقة العجيبة»، بحسب مسؤول لجنة المستعان بهم حسن سرحان، «أننا مسؤولون تجاه الدولة اللبنانية ونقبض من الجهات المانحة الدولية».
وفيما تلامس نسبة الشغور في ملاك الوظيفة العامة نسبة الـ60 في المئة، أظهرت أرقام لجنة المال والموازنة في أيار 2018، بناءً على التقرير الموحد للتفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية، أن عدد من وُظفوا بعد 21 آب 2017، تاريخ صدور قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي نص على وقف التوظيف، بلغ 5473 متعاقداً. من هؤلاء 460 فقط جرى توظيفُهم وفقاً للأصول بتسميات وظيفيّة تنطبق على التوصيف الوظيفيّ، و5013 وُظّفوا خلافاً للأصولِ بتسمياتٍ مُختلفة: «شراء خدمات»، «مُياوم»، «متعاقد على مُهمّة»، «عامل بالفاتورة»، و«مُستعانٍ بِه». كما تبين للجنة أن عدد من توظفوا قبل 21 آب 2017، من دون مراعاة القوانين والأنظمة، بلغ نحو 32 ألفاً.
«فُرمل» التعاقد، عملياً، في المادة 51 من موازنة عام 2019 التي منعت التوظيف والتعاقد بكل أشكاله ومسمياته في القطاع العام بما فيه السلكان التعليمي والعسكري لمدة ثلاث سنوات باستثناء الفئة الأولى ورؤساء وأعضاء المجالس والهيئات. وبحسب مصادر في ديوان المحاسبة، تضطلع النيابة العامة والغرفة المختصة في الديوان حالياً بمهماتهما الرقابية على التوظيف والاستخدام المخالفين للقانون، وتعكفان على دراسة كل حالة من حالات التوظيف في القطاع العام على حدة وتصدر القرارات بشأنها أولاً بأول، في محاولة للمساهمة في الحد من إهدار المال العام.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا