المنظمات الدولية عبارةٌ عن «مُنتجات» جيو ــــ سياسية تتحكّم بها الدول النافذة، وتُحرّكها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، على العكس ممّا يُسوّق عنها بأنّها تجمّعات «تحمي» حقوق كلّ الأعضاء فيها. بحثٌ سريع حول من يُموّل تلك المُنظمات ومن يُحدّد استراتيجياتها وجدول أعمالها، يقود إلى التيقّن من التأثير السياسي على عملها. لذلك، مقاربة القرارات التي توصف بـ«الأممية» ببراءة، تُعدّ سذاجة. للبنان تاريخٌ طويل مع هذه القرارات، التي تعكس النفوذ الأميركي في المنطقة وخريطة تحالفاته على مرّ السنوات. ولأنّ «هَمّ» الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط هو «حماية أمن إسرائيل»، يُصبح التنبّه من أيّ «فخّ أُممي» واجباً. لا يعني ذلك الخروج من المُنظمات الدولية، وعزل لبنان لنفسه، بل الاحتفاظ بكرسي دائم في كلّ فروعها للاستفادة منه، ولكن في الوقت نفسه عدم استخدام «التعاون الدولي» شمّاعة لأي «تطبيع» غير مقصود، أو مقصود.
المعلومات المطلوبة تتعلّق بالأمن القومي والاستراتيجي للبنان (مروان طحطح)

في 5 تشرين الثاني 2019، عُقد في «تل أبيب» اجتماعٌ لمُنتدى سياسة تبادل البيانات والمعلومات والتنبؤات والإرشادات الهيدرولوجية والجوية، في إطار النظام الاستشاري للإنذار المبكر بالأخطار المتعددة في جنوب شرق أوروبا (SEE-MHEWS-A)، وقد شاركت فيه المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) بصفتها «عضواً» وليس «المُنظّم». البلدان المشمولة في المُنتدى هي: ألبانيا، البوسنة والهرسك، بلغاريا، كرواتيا، قبرص، اليونان، هنغاريا، الكيان الصهيوني، الأردن، لبنان، مونتينيغرو، مولدوفا، ماكادونيا، رومانيا، سلوفينيا، تركيا، وأوكرانيا. لم يُشارك لبنان في الاجتماع، ولم يوقّع على الاتفاقية التي انبثقت عنه، رغم تضمّنها اسم رئيس مصلحة الأرصاد الجوية في «مطار رفيق الحريري الدولي»، مارك وْهَيبة. تهدف الاتفاقية ــــ كما ورد في نصّها ــــ إلى تطوير «نظام الاستشارات الفنية... وتحسين تنبؤات الأرصاد الجوية والهيدرولوجية والبحرية، من خلال تعزيز البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتوفير البيانات وتبادلها». كما أنّ الموقّعين على الاتفاقية سيتبادلون المعلومات «لتمكينهم من الاستجابة بشكل أفضل للمخاطر الطبيعية المٌتعلقة بالطقس». ومن المفترض أن تشمل الاتفاقية أيضاً «تنسيق طُرق قياس البيانات ووحدات المراقبة وأشكال النقل والبيانات الوصفية».
المادة الأولى من «قانون مقاطعة إسرائيل»، تنصّ على أنّه: «يُحظّر على كلّ شخص طبيعي أو معنوي أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها، وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقات تجارية أو عمليات مالية أو أيّ تعامل آخر مهما كانت طبيعته». ورغم وضوح النصّ القانوني، كان مُستغرباً أن يُراسل مارك وْهَيبة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، طالباً معلومات وبيانات لمُشاركتها مع المُنظمة الدولية. «المصلحة» رفضت، وعمدت أول من أمس الى إخطار كلّ من الأمانة العامة لمجلس الوزراء والأمن العام. في كتابَيها، أوضحت مصلحة الليطاني أنّ «البيانات المُجمّعة لديها والتي تُحدَّث سنوياً تُعدّ المصدر الوحيد للمعلومات الهيدرولوجية لمراكز الأبحاث والقطاع العام كافّة». وفي هذا الإطار، «تلقّت المصلحة طلباً غير رسمي من رئيس مصلحة الأرصاد الجوية تضمّن دعوة لحضور اجتماع عن بُعد في منتدى سياسة تبادل البيانات والمعلومات والتنبؤات والإرشادات الهيدرولوجية والجوية، رفضتها المصلحة نظراً الى عدم توجيه دعوة رسمية وعدم التأكد من كون هذا المنتدى يندرج ضمن نشاط المنظمة العالمية للأرصاد الجوية». بعد فترة، طلب وهَيبة «معلومات وبيانات حول القياسات المائية في الأنهار اللبنانية والمياه السطحية اللبنانية». وبحسب مصلحة الليطاني، «أشار رئيس مصلحة الأرصاد الجوية الى أنّه وجّه كتاباً لوزارة الخارجية والمغتربين لطلب المعلومات من القطاع العام، من دون أن نطّلع عليه». أما في الكتاب الموجّه من «المصلحة» إلى الأمين العام لمجلس الوزراء، القاضي محمود مكية، فطلبٌ «لإصدار تعميم يُنظّم مشاركة القطاع العام في المؤتمرات وورش العمل والاجتماعات وتحديد أسس تمثيل الجمهورية اللبنانية وربط ذلك بموافقة مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء، ويتضمن ضبط وأصول تبادل ومشاركة المعلومات والبيانات المتعلقة بالثروات اللبنانية والدراسات الإحصائية مع هذه الجهات، ومن ثم تضمين التعميم مقتضيات القانون الصادر بتاريخ 23/6/1955 (مقاطعة «إسرائيل»)». النقطة التي تتوقّف عندها مصلحة الليطاني، هي أنّ المعلومات المطلوبة «تتعلّق بالأمن القومي والاستراتيجي للبنان»، وإنشاء نظام الإنذار المُبكر «يعني تزويد الأنهار اللبنانية بحساسات للقياسات المائية تسمح بنقل مستوى وارتفاع وسرعة وتصريف الأنهار، وأي تغيير فيها، إلى الجهات المحلية والخارجية».
مصلحة الأرصاد الجويّة: الرصد الجوّي يجمع كلّ العالم


من جهته، يشرح مارك وهَيبة لـ«الأخبار» أنّ أغلب البلدان في العالم مُنضوية في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، لأنّ «الرصد الجوّي لا يُفرّق بين أحد، وهو مجال يجمع كلّ العالم، حين تنتقل الغيمة من مكان إلى آخر لا حدود لها». البلدان في «المُنظمة» مُقسّمة إلى مناطق إقليمية، «الإقليم الرقم 6 يضمّ بلدان جنوب شرق أوروبا، ومن ضمنها لبنان وجيراننا المُحيطون بنا». في الـ 2016، بدأ العمل على «مشروع يتعلّق بالإنذارات المُبكرة لمختلف المخاطر المُمكن أن تتعرّض لها البلدان. عُقدت اجتماعات ويوجد تنسيق بين الدول، حتى تُصبح المعلومات مُتوافرة للجميع». يقول وهَيبة إنّ المشروع «أوّلي، ووُضعت سياسة تبادل المعلومات. جرى أوّل تقويم للتجربة واجتماع للبلدان المعنية، فوُقّع على الاتفاقية كعربون التزام بالتنسيق المُشترك. ولكن بحُكم موقع الاجتماع، لبنان لم يُشارك أو يُوقّع». ينفي وهَيبة أن يكون قد راسل أياً من المُديريات العامة طلباً لمعلومات، «ولن نتواصل معهم قبل أن نحصل على موافقة من وزارة الخارجية والمغتربين بمشاركة معلوماتنا. مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت أعدّت كتاباً «ونحن بصدد إرساله إلى الخارجية»، ويُدافع وهَيبة عن الموضوع بأنّه «خيارٌ علمي لا سياسي ولا غيره. تبادل المعلومات للرصد الجوّي أمر مُهم».
ثمة فارق كبير بين أن يكون لبنان عضواً في منظمة دولية (في هذه الحالة هي المُنظمة العالمية للأرصاد الجوية)، لـ«إسرائيل» وجود فيها أيضاً، وبين أن يُشكّل جزءاً من تحالف مُنبثق عن تلك المنظمة تُطلق اتفاقية من أرضٍ عربية مُحتلة (تُسمّى «تل أبيب»)، وتقوم على تبادل معلومات دقيقة معها. لا فرق بين طبيعة المعلومات التي يتشاركها الأعضاء: سياسية أو أمنية أو فنية أو علمية... فالتبادل لا يعني سوى التطبيع ونسج علاقة تعاون، وبحسب «الخبرة» مع العدوّ، سيُشكّل ذلك أرضيّة مُلائمة له لـ«يُسوّق» لوجود حوار ويطلب تعميمه على قطاعات أخرى. هذا التعاون ــــ بصرف النظر عما إذا كان ضرورة علمية أو لا ــــ لا يُمكن القبول به تحت أي حجّة، حتى لو كان الدافع العلمي هو المُحرّك الوحيد لمصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا