كانت حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» من القلّة بين التنظيمات المُشاركة في «17 تشرين» التي طرحت برنامجاً شاملاً لسلطة بديلة. «المأساة ليست قدراً... بل قد توفّر فرصة استثنائية» («الأخبار»، عدد 19 تشرين الثاني 2019). رسم البرنامج خريطة طريق لآليات التفاوض على انتقال السلطة، مع مشروع اقتصادي وموقف سياسي من مواضيع عادة ما تُحاذر المجموعات المعارضة تناولها، وتحديداً سلاح المقاومة والعلاقة مع الخارج. ورقة «مَمْفد» لم تكن بمنأى عن الانتقاد، ولا سيّما في ما اعتُبر «استسهالاً» لإمكان خوض مفاوضات مع «منظومة» لا تزال حتّى اليوم لا ترى نفسها مُنهزمة، حتى تتخلّى عن «مُكتسباتها».وجدت الحركة، بقيادة أمينها العام شربل نحّاس، مساحةً لها في الساحة. خيمةٌ ولقاءات، نُظّمت في بيروت ومناطق عدّة: عكّار، طرابلس، كسروان، الجنوب... تعميم «المشروع البديل» عبر التواصل مع المجتمع كان واحداً من الأهداف، الذي «عكّرته» تصريحات «مُتسرّعة» لنحّاس (كلامه عن أبناء الجنوب المُنتمين إلى الطائفة الشيعية) استدعت منه توضيحات. لم تكن هذه وحدها «العثرات» في درب «مواطنون ومواطنات في دولة»، بل امتدت لتشمل ضعف التواصل مع أحزاب ومجموعات أخرى، ما عطّل التوصّل إلى بلورة قيادة سياسية للانتفاضة. يؤخذ على «مَمفد» أنّها بميلها لفرض برنامجها على البقيّة، والنزعة الفردية في الحُكم لقيادتها، عطّلت أي اتفاق. ولكن قسماً آخر من المجموعات، يُعدّ خصماً قديماً لنحّاس وطروحاته الاقتصادية والاجتماعية، لم يُوفّر «فرصة» إلا واستغلّها لمحاولة إخراج الوزير السابق من الساحة.
لم يكن أحدٌ مُستعّداً لتحمّل مسؤوليّة طرح بديل للسلطة


يقول مُفوّض العلاقات السياسية في «مواطنون ومواطنات في دولة»، معن الأمين إنّ «الناس نزلوا إلى الشارع في 17 تشرين كنتيجة لوجود ما يُهدّد مستقبلهم، وكانت الأزمة المالية قد بدأت تظهر في صيف 2019». الزخم الكبير «ألقى مسؤولية علينا بألّا تجنح هذه التحركات صوب اتجاهات عفوية أو تُحاول السيطرة عليه قوى أخرى. سريعاً، قررنا وضع إطار سياسي يُساهم في إنقاذ المجتمع ممّا هو مُقبل عليه». تركيبة «مواطنون ومواطنات في دولة» كحزب سياسي، «ساعدتنا على استشعار ذلك باكراً، فطرحنا رؤيتنا السياسية في 11 تشرين الثاني، وكنا حريصين على أن يكون الطرح السياسي واضح الخيارات ومُحدّداً». عرضُ برنامج سياسي، أتى مُخالفاً لتوجهات «مجموعات وأحزاب معارضة اعتبرت أنّ الحدث هو في التظاهرات، وتعاملت معها كما لو أنّها الغاية وليس الوسيلة لفرض مشروع سياسي». همّ الحفاظ على الزخم في الشارع أضعَفَ «17 تشرين» من وُجهة نظر الأمين، ويُضيف إليه «القمع الكبير الذي تعرّضت له الانتفاضة من قوى السلطة، إن كان عبر الأجهزة الأمنية أو فرض شارع بوجه شارع بعناوين طائفية». تزامن ذلك مع «العبء الاقتصادي، وتعب الناس، وانتشار «كورونا»، ما أدّى إلى ضمور الحضور في الشارع». الخلاصة التي وصلت إليها الحركة أنّ «أي تحرّك ميداني خارج مشروع سياسي واضح المعالم، هدر للوقت والجهود، ومُمكن أن يوظّف ضمن مشروع آخر»، يقول معن الأمين.
ماذا عن اتهامكم بتفشيل أيّ اتفاق؟ «نحن نحسب أنفسنا مُهمّين جدّاً، ولكن هل حزب عُمره 4 سنوات قادر على إفشال جهود قوى عُمرها عشرات السنوات؟ إذا كانت الحجّة صحيحة، فلماذا لم يتمكّنوا من إعلان قيادة من دوننا؟». ويرى الأمين أنّ «المسؤولية التي نتحمّلها هي عدم توصّلنا مع هذه القوى إلى قراءة سياسية عميقة للواقع الفعلي. لم يكن أحد مُستعداً لتحمّل مسؤولية طرح بديل للسلطة وفرض التفاوض لانتقال السلطة. هل هذا سهل؟ كلّا. مستحيل؟ لا شيء مُستحيل».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا