ما لم يرد في البيانات الرسمية الإسرائيلية، حتى الأمس، حول أهم أهداف المفاوضات من جانب تل أبيب على ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، ورد أمس على لسان رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو: إمكان إضعاف حزب الله نتيجة التفاوض، وإنْ لاحقاً.إذاً، المفاوضات هي جزء من الحرب الإسرائيلية الأشمل في مواجهة حزب الله، إضافة إلى ما يمكن أن تجبيه «إسرائيل» من فائدة اقتصادية. في تشخيص نتنياهو، وهو رأس الهرم السياسي في تل أبيب والمعنيّ الأول بأهدافها ومقاصدها، إقرار بأن أي محاولة لفرض الإرادة السياسية والأمنية والاقتصادية على لبنان، غير ممكنة طالما أن حزب الله يحتفظ بقوته وحضوره وردعه، وهو أهم دلالات موقف نتنياهو، كما صدر عنه أمس.
من على منبر الكنيست، وفي مقدمة للمصادقة على «اتفاق السلام» مع الحلفاء الجدد في الإمارات، قال نتنياهو: «طالما استمر حزب الله في السيطرة على لبنان، فلن يكون هناك سلام مع هذا البلد. إلا أننا بدأنا مفاوضات على الحدود البحرية، وأدعو الحكومة اللبنانية إلى الاستمرار فيها حتى استكمالها، وقد يكون ذلك بمثابة خطوة أولى ليوم آخر مقبل في المستقبل، يتحقق فيه سلام حقيقي». أما بشأن «السلام الحقيقي» مع لبنان وغيره، فشدّد نتنياهو على المعادلة الإسرائيلية: «لطالما اعتقدت أن السلام الحقيقي سيتحقق من خلال القوة، وليس الضعف».
مما انتهت إليه عبارة نتنياهو، يجب أن تبدأ معاينة اللبنانيين لمجمل الموقف الصادر عنه، سواء ما يتعلق بالمفاوضات الحالية حول ترسيم الحدود البحرية، أم تجاه الملفات العالقة بين الجانبين: السلام الحقيقي هو نتيجة للقوة الإسرائيلية. وهي عبارة ملطّفة للإشارة إلى القدرة الإسرائيلية على الإملاء من موقع الاقتدار والسطوة، وإلى خضوع الطرف الآخر نتيجة ضعفه. وهذه المعادلة لا تتحقق لـ«إسرائيل» في مواجهة الدولة اللبنانية، وهذا هو جوهر حديثه، طالما أن لديها عنصر قوة قادراً على مواجهة الإملاء ومنعه: حزب الله بوصفه مقاومة مسلحة قادرٌ على الإيذاء وبالتبعية على الردع.
مع ذلك، قد يكون لبنان الرسمي استجاب من حيث يدرك أو لا يدرك، لأولى الخطوات المطلوبة للوصول إلى الخطوة التي أشار إليها نتنياهو أمس، ونتيجتها ما قال بأنه السلام الحقيقي بين الجانبين: الاستجابة للتفاوض غير المباشر / المباشر، مع تضمين الوفد شخصيات مدنية دون مسوغ أو ضرورات، إلا إن كنا نلبي إملاءات ما، أو نتيجة فهم خاطئ ومغلوط لأبسط قواعد التفاوض التقني غير المباشر، مع العدو. وهذا «الخطأ» هو الذي مكّن «إسرائيل» (يديعوت أحرونوت) من الحديث عن «مفاوضات مدنية - سياسية تجري بين لبنان وإسرائيل».
في تصريح نتنياهو قلب حقائق وتموضعات ثابتة منذ نشأة الكيان الإسرائيلي. باتت مقاومة الاحتلال هي المدانة وهي التي تعرقل «السلام الحقيقي»، مقابل تحويل الاحتلال نفسه إلى كيان سوي، رغم كينونته القائمة على الاعتداء. ومنطق تل أبيب هنا بات مستساغاً لدى البعض، ممن يتطلعون إلى هذا «السلام الحقيقي» مع «إسرائيل»، وإن كانوا هم حسب وصف نتنياهو، يتطلعون إليه من موقف الضعف والجهوزية لتلقي الإملاء من تل أبيب، صاحبة السطوة والقوة.
واحدة من الدلالات الواردة في تصريح نتنياهو، هي الحفر أكثر في الوعي الجمعي للرأي العام، بما يرتبط بادّعاء سيطرة حزب الله على لبنان، رغم أن هذا الحديث بات ممجوجاً. أما ما يمكن الوقوف عنده طويلاً، فهو القول إن حزب الله هو المعرقل الوحيد لـ«السلام الحقيقي» مع إسرائيل. ولهذا الحديث وجهان: وجه صحيح، وهو أن حزب الله يمنع الإملاء الإسرائيلي عن لبنان وفقاً لمعادلة نتنياهو عن السلام الحقيقي، الذي يريده فقط مبنياً على ضعف الجانب اللبناني؛ أما الوجه الآخر ففيه إدانة واتهام، بأن اللبنانيين بأحزابهم ومؤسساتهم ومجتمعهم المدني وجمهورهم العريض يتلهّفون لـ«السلام» مع «إسرائيل»، وأن ما يمنع ذلك هو سيطرة حزب الله؟ السؤال برسم القوى السياسية في لبنان، التي عليها هي الرد على العدو، عدا تلك التي لا تُخفي، بطبيعة الحال، تطلعها إلى «الشراكة» مع العدو.
في سياق التفاوض الذي يراد له أن يخدم تموضع «إسرائيل» المواجه لحزب الله في موازاة الفائدة الاقتصادية، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس، أنه إلى جانب البعد الاقتصادي للمفاوضات، ثمّة ثلاثة أبعاد أمنية: على الساحل حيث يوجد موقعان متقدمان جداً لـ«إسرائيل» ولبنان؛ وبعد آخر يتركز داخل المياه الإقليمية، وأين تفرض «إسرائيل» منطقتها الأمنية؛ أما البعد الثالث فيأتي نتيجة التوصل إلى اتفاق على المياه الاقتصادية، الأمر الذي يثير تحديات أمنية لأن «إسرائيل» ستضطر إلى الاستعداد والجهوزية لمواجهة سيناريوات وفرضيات «تخريبية» ضد منشآتها للتنقيب في المنطقة.


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا