سيرا ريغو ومانو بينيدا، هما نائبان إسبانيان في البرلمان الأوروبي، يُمثلان ائتلاف «اليسار الإسباني الموحد». يرأس بينيدا لجنة العلاقات مع فلسطين في البرلمان الأوروبي، وهو مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي الإسباني. أما ريغو، التي تنتمي أيضاً إلى «اليسار الأخضر الشمالي»، فقد ترشحت في الـ 2019 إلى رئاسة البرلمان الأوروبي من دون أن تفلح في بلوغ هدفها. وصل الاثنان إلى بيروت بداية الأسبوع الحالي، على أن يعقدا لقاءات سياسية مع شخصيات وأحزاب يسارية ووطنية. الزيارة تأتي من باب التضامن مع لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، والسبب الثاني هو تكوين فكرة عامة عمّا يجري والحراك السياسي الدولي داخل البلد والمواقف الداخلية، تمهيداً لنقلها إلى داخل البرلمان الأوروبي. فممثّلا «اليسار الموحّد»، نيابةً عن الائتلاف الذي ينتميان إليه، لا يُريدان أن يكون صوت «قوى الهيمنة» الأوروبية هو وحده المُسيطر. هذا جزء من الصراع العالمي الذي تخوضه الحركات الوطنية ضدّ الرأسمالية العالمية، وسياساتها التوسعية الاستعمارية في بلدان العالم الثالث. «الأخبار» التقت سيرا ريغو ومانو بينيدا، وكان هذا الحديث:
العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي
يقول مانو بينيدا إنّه لا يوجد سياسة خارجية موحدة، إجمالاً «تُحدّد إسبانيا مثلاً الخط العام للسياسة الواجب اتباعها مع دول أميركا اللاتينية، وفرنسا تُقرّر الوجهة تجاه البلدان الفرنكوفونية أو تلك التي كانت مُستعمرات فرنسية». يتم الأمر على هذا النحو في اتحاد باتت دُوله «تتصرّف كما لو أنّها من خُدّام مصالح الولايات المتحدة الأميركية في العالم». يسخر بينيدا من أنّ الولايات المتحدة «تُشبه التلميذ في الصف الذي يُهين رفاقه، ولكن الجميع يُريد أن يكون رفيقه. واشنطن تستهدف كلّ بلد من بلدان الاتحاد الأوروبي حين لا توافق على ما يقوم به، كالرسوم القاسية التي فرضتها على إسبانيا، والضغوط على ألمانيا حتى لا تستورد النفط من روسيا (يقصد مشروع «السيل الشمالي 2» لمدّ خطَي أنابيب من سواحل روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق)، كما محاولة منع إيطاليا وألمانيا والبرتغال من الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية... الاتحاد الأوروبي بات مُرتبطاً بالسياسة الخارجية الأميركية»، وهو ما يُبرّر من وجهة نظر بينيدا عدم بلورة سياسة خارجية لـ«الاتحاد». وتُضيف سيرا ريغو أنّ «الاتحاد غير مُوحّد ولكلّ واحد من أعضائه مصالح خاصة، ولكنّه مُكوّن من هيئات مختلفة تتفق على أمور مُحددة، غالباً ما تكون اقتصادية». والكلمة الفصل في هذا المجال تكون إجمالاً لكلّ من «فرنسا وألمانيا لأنّهما تضطلعان بدور مركزي، ولهما وزن اقتصادي، ما يُحدّد موقعهما من القيادة».

زيارة ماكرون للبنان
إذا كان الاتحاد الأوروبي مُشرذماً، ولا يسير الأعضاء فيه وفقاً لاستراتيجية عامة، فذلك يعني أنّ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان (في 6 آب/ أغسطس الجاري) لم تأتِ في سياق اتفاق أوروبي؟ تُجيب سيرا ريغو بأنّ «القرار كان خاصّاً بماكرون ولم يُتفق عليه داخل الاتحاد الأوروبي. لدى الرئيس الفرنسي أجندة شخصية وهي محاولة العودة إلى زمن الاستعمار، استخدام استراتيجية جديدة. يُريد الحفاظ على مصالحه القديمة، والعلاقة مع الأوليغارشية في لبنان وبقية الشرق الأوسط».
من جهته، يتحدّث مانو بينيدا عن مشاكل ماكرون في فرنسا، «في كلّ انتخابات نُظّمت، أتت النتائج كارثية للرئيس. كان بحاجة إلى خطوة خارجية يقوم بها، فيحرف الأنظار عن وضعه الداخلي. يُحاول التوسّع ظانّاً نفسه نابوليون، ولكنّه يفشل». لا يستفيض النائبان أكثر حول أهداف زيارة الرئيس الفرنسي، «فلا نملك إجابات عن كلّ الأسئلة، نحن هنا لمحاولة الحصول على صورة واضحة». ماذا وجدتم؟ يقول بينيدا إنّه «من خلاصة لقاءاتنا الأولية، هناك نقمة من النظام القائم، ووجدنا أنّ السلطة المبنية على الطائفية فشلت حتى في تأمين الحدّ الأدنى للشعب، 50% تحت خط الفقر، ولا يوجد ضمان صحي... يُمكننا الاتفاق على أنّه يجب إصلاح ذلك. ولكنّ المشكلة، هي في عدم إيجاد أرضية مشتركة أو نظرة موحدة للبديل لدى الفئات المعارضة». أمام هذا الفراغ في المشهد العام، «وصل ماكرون مُتصرفاً كما لو أنّه قائد المتظاهرين، مُطالباً بإجراء إصلاحات كما لو أنّه لا علاقة لفرنسا بالوضع الحالي في لبنان. فرنسا اخترعت هذا النظام».

الهدف من الزيارة
هل تأتي زيارتكم إذاً في سبيل تقديم وجهة نظر أوروبية ثانية؟ «ما حصل في لبنان مُهم جداً، على مستوى الجغرافيا السياسية، للشرق الأوسط وأوروبا»، تُجيب سيرا ريغو، مُضيفةً إنّهم بحاجة إلى «معرفة الأحداث عن قرب، ونتمكّن من نقل المعلومة بدقة داخل البرلمان الأوروبي، حتى لا تكون وجهة نظر ماكرون هي الوحيدة المسموعة». هذه الاستراتيجية تُتبّع في كلّ البلدان التي تدور فيها صراعات سياسية وتُبنى المحاور - سوريا، العراق، فلسطين، لبنان - «في حين أنّ مصالح الناس منسية». وتشرح النائبة الأوروبية، أنّهم سيلتقون مع منظمات ونواب «قد نلتقي معهم حول الموقف العام أو من الممكن أن نُبلور معهم شكلاً من التنسيق لمتابعة الحوار في المستقبل»، موضحةً أنّها وبينيدا «لسنا في لبنان كبعثة من البرلمان الأوروبي، بل كمنظمة سياسية، تنظيم اليسار الموحّد».


اليسار داخل البرلمان الأوروبي
يُحاول اليسار الأوروبي أن يقوم بدوره التاريخي في مواجهة الرأسمالية العالمية، ولو أنّ الأمر بات يزداد صعوبة مع تنامي الحركات الفاشية داخل البلدان. في البرلمان الأوروبي الصعوبة أكبر، فمن مجموع 751 نائباً، يبلغ عدد النواب اليسار 59. يُخبر مانو بينيدا أنّهم يعملون معاً «لإدخال سياسات إصلاحية بيئياً ويسارياً واجتماعياً، والنضال من أجل تحقيق مستوى معيشة أفضل للطبقة العاملة، وتسويق سياسة عالمية قائمة على الحقوق الإنسانية في مواجهة السياسة الأحادية التي تُهمل حقوق الإنسان». وتُضيف سيرا ريغو إنّه داخل الاتحاد الأوروبي «همهم الآن كيف يبقون على قيد الحياة، في وجود أزمات عدّة ممكن أن تُفجّر الاتحاد: العلاقة مع الصين، خروج بريطانيا من الاتحاد وانتشار وباء كوفيد - 19».
ولكن أليس الآن الوقت المناسب، في ظلّ الانكماش الذي يُصيب الرأسمالية لبلورة خيار بديل، ففي إسبانيا تمكّن اليسار من الفوز بمقاعد نيابية ويتمتع حالياً الحزب الشيوعي بتمثيل داخل مجلس الوزراء، بعدما كانت آخر مرّة شارك فيها في ثلاثينيات القرن الماضي؟ تعتبر ريغو أنّ «الجديد في المشهد الإسباني خلق أزمة اقتصادية وسياسية حادة، تطورت إلى أزمة تمثيلية للنظام والسياسيين الموجودين. أمام مجلس نيابي مُشرذم، برزت الحاجة إلى تنظيم انتخابات جديدة، تمكّنا خلالها من حصد مقاعد». على الرغم من ذلك، ومن وجود مؤشرات عديدة على أزمة الرأسمالية، إلا أنّ مانو بينيدا لا يُوافق. «أنا ناشط سياسي منذ 35 سنة، أسمع بانهيار الرأسمالية منذ ما قبل ذلك. ما يحصل هو معركة داخل المحور نفسه. الأزمات لا تعني أنّ الرأسمالية انتهت، ولكنّها قد تؤدّي إلى تغيير ما». المشكلة إذاً في المحور الثاني؟ يبدو بينيدا صريحاً حين يقول «إنّنا عاجزون كيسار على الاتفاق على أرضية مُشتركة، كلّما اجتمع ثلاثة يساريين تظهر أربع وجهات نظر مختلفة بينهم. ولكن لا يحق لنا الاستسلام، يجب أن نستمر في العمل يومياً لتحقيق هدفنا، واللقاء مع قوى وشخصيات قد لا نلتقي معها حول كلّ النقاط، ولكن نُفكّر معها في المصلحة العامة».