أوقف أمس المدير العام للجمارك بدري ضاهر والمدير السابق شفيق مرعي في ملف تفجير مرفأ بيروت. رغم الضغوط السياسية، فعلها مدّعي عام التمييز غسان عويدات وأصدر قراراً قضائياً بتوقيف معظم المسؤولين عن المرفأ. بدأت الحملة بتوقيف مدير المرفأ حسن قريطم مع ١٦ موظفاً أول من أمس، بينهم ثلاثة حدادين، قبل أن يصدر القرار بتوقيف ضاهر ومرعي ليلاً بعد جهود كبيرة.حضر مرعي الى التحقيق منذ الصباح، لكن ضاهر حاول التهرّب، فأجاب على استدعائه مرة بأنه يزور رئيس الجمهورية ومرة أخرى بأنه في طريقه الى اجتماع لخلية الأزمة، قبل أن تصدر إشارة قضائية للجيش لجلبه. إلا أنه عاد وقرر الذهاب بنفسه، مع وكيله، الى مركز الشرطة العسكرية في الريحانية حيث استمر التحقيق معه ساعات، قبل ان يصدر قرار بتوقيفه ومرعي ليلاً. ورغم أن التوقيفه جاء متأخراً، الا أنه اساسي لكونه الرجلين مسؤولين مباشرين عن المرفأ، وكانا يعلمان بخطورة المواد الموجودة في العنبر 12. التوقيفات شملت أيضاً مسؤول العنابر ومدير المشاريع في المرفأ ومسؤول العنبر رقم ١٢.
وعلمت «الأخبار» ان التحقيق أظهر ان العنبر الذي خُزنت فيه شحنة الأمونيوم لم يكن مجهزاً بنظام اطفاء، ويتضمن تمديدات كهربائية عادية يُمنع وجودها في مراكز تخزين المتفجرات والمواد القابلة للانفجار أو الاشتعال. كما بيّنت التحقيقات الأولية، التي لا تزال إلى الكثير من التدقيق والتمحيص، أن تلحيم الفجوات في جدار العنبر وبابه أدى إلى اشتعال الحريق. ومع فتح عناصر فوج الاطفاء باب العنبر، أدى دخول الاوكسيجين الى اشتداد الحريق لتصبح المادة المشتعلة كتلة متفجرة واحدة. التحقيق أشار الى فرضية مفادها أن كمية نيترات الامونيوم البالغة ٢٧٥٠ طنا ربما لم تنفجر بالكامل لأن جزءاً منها كان قد تلف بمرور الزمن. وأوضح أن المديرية العامة لأمن الدولة التي كشفت على العنبر قبل أشهر، وأعدّت تقريراً بشأن مخاطر بقاء نيترات الأمونيوم داخله لم تقم بإحصاء محتوياته.
«الأخبار» حصلت على التقرير الذي جاء فيه أن الباخرة التي كانت تحمل الشحنة دخلت إلى مرفأ بيروت لإنزال جرافتين كانتا على متنها. وأثناء إنزالهما، تعرّضت السفينة لضرر كبير ما أدى إلى تعطّلها وعدم قدرتها على الإبحار. إلا أن التقرير لفت في موضع آخر، وبشكل مناقض، الى أن السفينة احتُجزت بقرار قضائي. وبعد الكشف على حمولتها تبيّن أنها تحمل ٢٧٥٠ طناً من نيترات الأمونيوم الشديدة الانفجار والسريعة الاشتعال التي تُستعمل في تصنيع المتفجرات مرسلة إلى شركة safari limited في موزمبيق. تقرير أمن الدولة ذكر أن رئيس الميناء محمد المولى أفاد الكاتب القضائي زياد شعبان بأن الباخرة تحمل مواد خطرة، وأن القاضي نديم زوين عيّن المولى حارساً قضائياً على الحمولة لتحمل مسؤولية اي نقص او تلف، إلا أن الأخير تحفّظ عن الأمر لكون العنابر داخل المرفأ تابعة لسلطة اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت، وليس لوزارة الأشغال التي يتبع المولى لها. وفي كانون الثاني ٢٠١٥، كلّف القاضي زوين الخبيرة ميراي مكرزل الكشف على البضائع، فتبين أنّ نسبة الآزوت فيها تعادل ٣٤،٧ وهي نسبة غير مسموح بتداولها عالمياً. لذلك طلبت إدارة المانيفست تسليمها فوراً للجهات الامنية (قيادة الجيش) أو إعادة تصديرها بسبب خطورتها والكارثة التي قد تنتج من جراء استعمالها او انفجارها. غير ان قيادة الجيش رفضت استلام الشحنة واقترحت التواصل مع الشركة اللبنانية للمتفجرات لدرس امكانية الاستفادة منها.
التحقيق تطرق الى فرضية أن الشحنة لم تنفجر بالكامل

وفي حال رفض الشركة، اقترحت اعادة تصديرها إلى بلد المنشأ. وذكر تقرير امن الدولة ان السفينة غرقت مقابل المرفأ في شباط ٢٠١٨، وأن دائرة المانيفست في مرفأ بيروت أرسلت طلبات خطية عدة الى مديرية الجمارك للطلب من قاضي الامور المستعجلة مطالبة الوكالة البحرية بإعادة تصدير البضائع بصورة فورية. وقد راجع جهاز أمن الدولة مختصاً في الكيمياء فحذّر من اشتعال هذه المواد سيتسبب بانفجار ضخم يدمر مرفأ بيروت، وأنها في حال سُرِقت فيمكن استخدامها في تصنيع المتفجرات. التقرير لفت الى ان لا حراسة على العنبر المفتوح بطريقة يمكن من خلالها لأي كان الدخول اليه. وقد راجع الجهاز مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس لإطلاعه على خطورة إبقاء المواد في المرفأ، فأبلغهم بعدم اختصاص النيابة العامة العسكرية. وبعد إطلاع النائب العام التمييزي غسان عويدات على التقرير في ٢٨/٥/٢٠٢٠، أشار باستدعاء الموظف المسؤول عن الامن في المرفأ والاستماع الى افادته. هكذا استدعي محمد زياد راتب العوف، وهو المسؤول عن أمن السفن الراسية وسلامة المنشآت، فأكد أنه لم يكن يعلم سابقاً بوجود نيترات الأمونيوم وأنه فوجئ بذلك لعلمه بخطورتها. وقال إنه تواصل مع المولى ونائب مدير العمليات في المرفأ مصطفى فرشوخ حول الأمر، فأبلغاه أن الشحنة مخزّنة في العنبر رقم ١٢ منذ خمس سنوات بقرار قضائي. وعندما أُبلغ عويدات بإفادت العوف، طلب استكمال التحقيق واستدعاء المولى لاستجوابه. كما استمع الى عدد من المسؤولين في المرفأ، وقرر عويدات توجيه كتاب الى هيئة إدارة واستثمار المرفأ لتأمين حراسة على العنبر وتعيين رئيس مستودع وصيانة كامل الابواب ومعالجة الفجوات وإقفال ابوابه بإحكام.
التقرير أنه أُرسِل في بريد خاص إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بتاريخ ٢٠/٧/٢٠٢٠، خلص الى وجود اهمال وتقصير من ادارة واستثمار مرفأ بيروت في الحراسة، وأنّ الادارات الرسمية لم تقم بأي إجراء لمعالجة هذا الوضع بغية إبعاد الخطر الذي تُسببه هذه المواد اذا ما اشتعلت أو سُرِقت.