انتقلت المقاربة الاسرائيلية للحدث اللبناني (تفجير مرفأ بيروت) من تكهّنات المعلقين الى التعبير عن تقديرات الاجهزة الامنية التي تبدي مخاوفها من أن يدفع حجم الكارثة لبنان الى الانفتاح على الشرق، في تعبير واضح عن ادراكها بأن دول الشرق جاهزة لتقديم المساعدات التي يحتاجها هذا البلد، من دون شروط. ولا تخفي هذه الاجهزة ضرورة أن ترتبط مساعدات غربية، حصراً، بما يؤدي الى «منع حلفاء ايران من السيطرة المطلقة على المنظومة السياسية في لبنان».ولمعرفة الاجهزة الاسرائيلية بأهداف الضغوط والمساعدات الغربية، فقد عبرت عن رهانها الصريح بأن تؤدي الضغوط الدولية، على حزب الله تحديداً، الى تغيير التوازن الاقليمي لمصلحة اسرائيل. وكما هي حالها في مواكبة أي مستجد سياسي أو امني، تقارب الاجهزة المختصة في الجيش والاجهزة الامنية والسياسية الحدث اللبناني من زاوية ما قد يسفر عنه من تهديدات أو فرص. ومعلوم أن جانباً من هذه التداعيات مرتبط بالخطوات التي ستقدم عليها الجهات الصديقة والمعادية على حد سواء، وكيفية تعاملها مع هذا الحدث. ولم تخف هذه الاجهزة تقديراتها بأن النتائج المباشرة للانفجار يمكن ان تشكل دفعاً في اتجاهين متعارضين: الاول، أن ما جرى يعدّ تصعيداً في الضغوط على الساحة اللبنانية قد يشكل فرصة لابتزاز لبنان بما يحقق المصالح الاسرائيلية. في الوقت نفسه، فإن حجم الحدث وتداعياته الهائلة على الرأي العام وعلى الوضعين الاقتصادي والمالي، قد يدفع لبنان الى تلقف أي مساعدة تأتي من جهة الشرق، وهو ما لم تخف تل ابيب خشيتها منه. وفي هذا السياق، أتى ما نقله موقع «واللا» الاخباري الناطق بالعبرية، عن «القلق الكبير» للاجهزة الامنية «من تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني حسن روحاني بشأن استعدادهما لمساعدة لبنان»، في اشارة الى تقدير بأن لبنان لم يعد، على وقع الكارثة، قادراً على مراعاة المطالب الغربية في رفض أي مساعدات تأتيه من الشرق.
وعلى هذه الخلفية، يأتي ايضاً ما لفت اليه الموقع نفسه من أن «التقدير في إسرائيل أنه من دون تدخل إحدى الدول الكبرى ودول غنية في الخليج، فإن إيران قد تملأ الفراغ وتوسع سيطرتها في لبنان بالشكل الذي يقلق الغرب كثيرا. ولذلك، فإن سياسيين رفيعي المستوى في أوروبا قد يصلون إلى بيروت، الأسبوع المقبل». ومع أن هذا التقدير عكس الاجواء السائدة في تل ابيب، لكنه حدَّد ايضا الاطار الذي تندرج ضمنه الزيارة السريعة الى بيروت للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
وفي السياق نفسه، تترقّب تل ابيب مواقف وخطوات حزب الله، الذي يشكل محور كل التقديرات الاسرائيلية في تحديد منسوب التهديد والفرص التي تنتج عن أي مستجدات. وقد أكد الموقع الاسرائيلي أن «المؤسسة الأمنية تتابع بحذر الخطوة المقبلة لـ (الأمين العام للحزب السيد حسن) نصر الله».
وبما أن الخطوات الغربية مشروطة بتحقيق أهداف سياسية محدَّدة، وللادراك المسبق بأن المساعدات وحدها لن تحقق الاهداف المنشودة، تسود تقديرات في تل ابيب ايضا بأن «لضغوط على لبنان عموماً، وعلى حزب الله خصوصاً،ستزداد في الفترة القريبة المقبلة، ومن شأن ذلك أن يغير التوازن الإقليمي لصالح إسرائيل». وفي تقديرات أخرى أكثر تحديداً أن «الضغط الدولي على حزب الله سيتعزز وسيغير التوازن الاستراتيجي في المنطقة».
في الوقت نفسه، وكتعبير عن إدراك امكانية الفشل في تحقيق هذه الاهداف، نقل موقع واللا عن مصدر إسرائيلي رفيع أن «من السابق لأوانه القول كيف ستؤثر الكارثة الوطنية في لبنان على نصر الله وأدائه تجاه إسرائيل». لكنهم تل ابيب تأمل، مع قدر كبير من التمنّي، أن تساهم المستجدات المتوالية في الداخل اللبناني في تقييد حزب الله وتعزيز قوة الردع الاسرائيلية بما يتجاوز الاستحقاق الحالي. وضمن هذا الاتجاه يندرج ما قدرته اجهزة استخبارية اسرائيلية من أن «الانفجار في بيروت سيعيد رسم حدود المواجهة مع حزب الله».
وليس بعيداً عن اجواء مؤسسة القرار السياسي في تل ابيب، دعت الباحثة في معهد ابحاث الامن القومي في تل ابيب، اورن مزراحي، الولايات المتحدة والدول الغربية ودول الخليج الى المسارعة لمساعدة «الشعب اللبناني» على رغم «سيطرة حزب الله»، وهو ما يخالف المواقف والتقديرات التي كانت سائدة في تل ابيب الى ما قبل انفجار المرفأ. وقد أوضحت دوافع هذه الدعوة بأن الهدف منها «منع السيطرة المطلقة على المنظومة السياسية في لبنان، من قبل ايران وشركائها في المحور».
الواضح في ضوء تسارع الاحداث اللبنانية، أن تقديرات اجهزة العدو تنطوي على آمال ومخاوف من المرحلة المقبلة، لكنها تؤشر ايضا الى اتجاه اتصالاته الرسمية غير المعلنة التي عادة ما تواكب هذا المستوى من المستجدات، مع الدول الغربية، بهدف تحديد الاولويات المتصلة باللحظة السياسية، وضوابط أي خطوات سياسية واقتصادية ومالية، بما يحقق أهدافها المنشودة في لبنان.