انتقلت سفينة Mv Rhosus من مجرد سفينة شحن عادية الى واحدة من أشهر السفن، لتسبّبها في واحد من أقوى الانفجارات في العالم. ليس معروفاً بعد إذا ما كان توقف السفينة في مرفأ بيروت قبل 7 سنوات، واحتجاز شحنة نترات الأمونيوم التي كانت على متنها في العنبر الرقم 12 والإبقاء عليها مذاك، مجرد إهمال. ولا إذا ما كان الانفجار نتيجة تلحيم باب العنبر أو سببه عملاً تخريبياً ممنهجاً. لكن للسفينة «روسوس» قصة بدأت في جورجيا ولم تصل الى خواتيمها السعيدة في موزمبيق. تظهر سجلات الشحن أن السفينة بدأت رحلتها من مرفأ باتومي في البحر الأسود في 23 أيلول 2013 الى بييرا في موزمبيق. ولدى بلوغها مرفأ اسطنبول، توقفت ليومين، قبل أن تبحر مجدداً في 3 تشرين الأول. «صعوبات تقنية» حالت دون إكمالها مسارها، فوصلت الى مرفأ بيروت في 21 تشرين الثاني. لكن جهاز أمن المرفأ منعها من إعادة الإبحار بسبب ما سمّته نشرة «arrest news»، «مستندات خاطئة» أدّت الى تكوين شكوك حول وجهة إفراغ الشحنة التي على متنها. وثمة من يضع علامات استفهام على المسار «اللامنطقي» الذي سلكته السفينة في طريقها الى أفريقيا الجنوبية، إذ كان يمكنها أن ترسو في مرافئ كبيرة (في مصر على سبيل المثال) تؤمن لها تسهيلات وصيانة أفضل ممّا تؤمنه لها بيروت، أو ربما قبرص الأقرب مسافة. وهنا، تحوم الشكوك حول إذا ما كانت موزمبيق هي فعلاً الوجهة الأخيرة أو أنها مجرد ستار لضمان إيصال شحنة من المواد الصالحة لصناعة متفجرات الى لبنان أو سوريا، خصوصاً أن الحرب السورية كانت في أوجها آنذاك، وجرت محاولات لإيصال أسلحة وذخائر اليها عبر لبنان، أبرزها سفينة «لطف الله 2» الي ضبطت في نيسان 2012 قادمة من ليبيا الى مرفأ طرابلس في لبنان. لكن يبقى الأمر مجرد رواية. أما المؤكد فهو أن أمن المرفأ أبقى على السفينة ورحّل قسماً من طاقمها، مبقياً على الربان و4 من أعضاء الطاقم، وجميعهم من الجنسية الأوكرانية.
سريعاً، بات هؤلاء حديث الصحف في بلادهم، وتمّ التعامل معهم كرهائن. وجرت محاولات دبلوماسية لم تنجح لاستعادتهم. في غضون ذلك، تخلّت الشركة المستأجرة للسفينة عن حمولتها، أي الـ2750 طناً من نترات الأمونيوم، كذلك فعل مالك السفينة إيغور غريشوشكين الروسي المقيم اليوم في قبرص. هكذا، تُرك الربان وفريقه لأشهر على متن قنبلة موقوتة. الربان بوريس بروكوشيف صرّح، في حزيران 2014، لإحدى المنظمات الحقوقية الأوكرانية مع بدء نفاد المواد الغذائية على السفينة، بأن مالكها «أشهر إفلاسه لكنّي لا أصدقه. الحقيقة أنه تخلى عن السفينة والطاقم، كما تخلى عن شحنة نيترات الأمونيوم»، فيما أشار محاميان يعملان في مكتب «بارودي وشركاه» الى أن عدة دائنين رفعوا عبر المكتب دعاوى ضد السفينة، «وتمكنّا من الحصول على 3 أوامر بالاعتقال ضدها. لكن محاولات التواصل مع المالكين أو المستأجرين أو أصحاب الشحنة باءت كلها بالفشل». وما لبث المكتب نفسه أن ترافع بالنيابة عن طاقم السفينة المحتجز، وتمكّن من الحصول على قرار قضائي صادر عن قاضي الأمور المستعجلة بالسماح لهم بالعودة الى موطنهم بعد عام على احتجازهم، كما قال المحاميان ضمن مقال ورد في نشرة «arrest news» في تشرين الثاني 2015. استند المحاميان يومها إلى احترام الحرية الفردية وإلى حياة الطاقم المعرضة للخطر نتيجة المواد الخطيرة. وبسبب هذا الخطر المحتمل، تم إفراغ نترات الأمونيوم في أحد الهنغارات.
أمس، أصدر المكتب نفسه بياناً توضيحياً يشير الى أن «روسوس» كانت تحمل «2750 طناً مترياً من مادة نيترات الأمونيوم مشحونة لأمر بنك موزمبيق الدولي، ومرسلة إلى شركة Fabrica de Explosives، وكانت معدّة لتحميل بضائع من مرفأ بيروت إلى الأردن». وهذا تفصيل لم يذكره المحاميان في النشرة سابقاً. أما سبب الحجز، فردّه البيان الى «عيوب تقنية تتعارض مع شروط الملاحة البحرية». الجديد هنا هو كشف مكتب «بارودي وشركاه» أنه، بوكالته عن الربان، راسل رئيس مرفأ بيروت (حسن قريطم) ووزارة النقل (في عهد الوزير السابق غازي العريضي) لاتخاذ الإجراءات لدرء المخاطر الناجمة عن وضع السفينة وحمولتها المعرضة للغرق والانفجار في كل لحظة (...) ونبّهنا إلى أن العالم شَهِد العديد من الكوارث الناجمة عن انفجار مادة نيترات الأمونيوم، كانفجار سفينة محمّلة من هذه المادة في ميناء تكساس سنة 1947». وبحسب البيان، «وجه المدير العام للنقل البري والبحري كتابين إلى وزارة العدل - هيئة القضايا، للغرض نفسه، قبل أن يصدر قرار عن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت بتاريخ 27/6/2014 بناءَ على استدعاء مقدم من الدولة اللبنانية من خلال المديرية العامة للنقل، بالسماح بنقل المواد الموجودة على متنها إلى مكان مناسب لتخزينها تحت حراستها».
حمّل ربّان السفينة مسؤولية الانفجار للسلطات اللبنانية: كان يمكنهم استعمال الشحنة أو بيعها


شبهات كثيرة تحوم حول سبب إبقاء هذه المادة الخطيرة في المرفأ بدل بيعها والاستفادة من عائداتها، في حين يحمّل ربان السفينة، في مقابلة مع «راديو أوروبا الحرة»، السلطات اللبنانية مسؤولية الانفجار، «لأنه وجب عليهم التخلص من الحمولة بدل احتجازها وطلب رسوم لركن السفينة. نتحدث هنا عن نيترات الأمونيوم، التي كان من الممكن استعمالها في أراضيهم الزراعية بما أن لا أحد طالب بها، وبالتالي لم تعد ملك أحد». وأشار الى أن «السفينة قديمة جداً، وقد غرقت منذ سنتين أو ثلاث، لأنه لم يتوَلَّ أحد صيانتها»، مضيفاً أن «مالك السفينة ما زال يدين له وللطاقم بمئات آلاف الدولارات، وكل محاولات مقاضاته في روسيا لم تفلح، لأنه لم يعد يقطن هناك». وبما أنه يمكن أن تستحوذ سلطات البلد الأقرب الى السفينة المتروكة عليها وعلى شحنتها، خصوصاً إذا كان مالك السفينة أشهر إفلاسه، فما الذي منع إعادة تصدير هذه المواد أو تسليمها الى الجيش اللبناني أو بيعها لشركة المتفجرات اللبنانية الخاصة، وفقاً للخيارات الثلاثة التي اقترحها المدير العام للجمارك بدري ضاهر.
وثمة من يلفت الى احتمال أن تكون دعاوى الدائنين القضائية قد حالت، ربما، دون التصرف في الشحنة. على أن هذا الأمر لا يتعارض مع الطريقة اللبنانية في التعامل مع أي قضية، الساذجة منها وذات الأهمية القصوى، كالتي أدت الى نتائج كارثية أول من أمس.



السفن المتروكة
التخلي عن السفن والبحارة قضية شائعة. وغالباً ما تتعاون منظمة البحارة العالمية ومنظمة العمل الدولية لتقديم المساعدة الى البحارة المتروكين. وتشير الأرقام الى أن عدد السفن المتروكة من قبل مالكيها بلغت 400 سفينة ما بين 2004 و2018. وتلك المسائل تمثّل تهديدات في كل العالم. فبينما الأنظار مصوّبة الى بيروت، ثمة كارثة محتملة في الجزء الآخر من الشرق الأوسط، وتحديداً مقابل الشواطئ اليمنية حيث تركن سفينة FSO SAFER المستخدمة كخزان عائم للنفط، على بعد بضعة أميال. لكن السفينة تُركت منذ عدة سنوات عندما توقفت الشركة اليمنية التي تقوم بصيانتها عن العمل خلال الحرب. واليوم، تعدّ هذه السفينة بمثابة قنبلة عائمة في أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم، وذلك لأن أي انفجار محتمل للمواد المخزنة قد يدمّر البيئة ويعيق حركة المرور البحرية عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وقناة السويس.