بعيداً من الأحكام المسبقة في اتجاه اتهام أو تبرئة أي عدو إقليمي أو دولي للبنان، وفي انتظار نتائج التحقيقات، شهدت وسائل التواصل وبعض وسائل الإعلام في لبنان، في الساعات الماضية، ضخ كثير من المعطيات والمواقف التي تحاول أن توحي بأن إسرائيل اعترفت، صراحة أو ضمناً، بأنها تقف وراء انفجار المرفأ. ولإضفاء قدر من الموضوعية على هذه التقارير، ادّعى البعض أنها قد سُحبت لاحقاً. لكن الواقع أن كل ما ذُكر في هذا السياق لا أساس له من الصحة، إذ لم ينشر أي موقع إعلامي إسرائيلي اعترافاً أو مؤشرات على مسؤولية العدو عن الانفجار. كذلك لم يسبق لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أن حدَّد المرفأ - كما رُوّج في وسائل التواصل - كأحد الأماكن التي ادّعى أن حزب الله يخبّئ صواريخه فيها، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2018، بل حدَّد في حينه ثلاث نقاط في الضاحية الجنوبية وبالقرب من المطار.مع ذلك، فرض حجم الانفجار نفسه في تقارير المعلقين الإسرائيليين باعتباره حدثاً مفصلياً مفتوحاً على مروحة سيناريوات، سيكون لبعضها أثره على معادلات الصراع مع إسرائيل. ففي العادة، يقارب العدو هذا النوع من الأحداث من زاوية انعكاساتها على أولوياته في الساحة اللبنانية. ومع أنه لم يجر حتى الآن تناول انفجار المرفأ، على المستوى الرسمي، إلا من زاوية توظيفه سياسياً عبر الإعلان عن الاستعداد لتقديم مساعدات، فإن الواضح أن العدو سيراقب مدى نجاح المعسكر الغربي في توظيف هذا الحدث، على أن يبني على الشيء مقتضاه.
والواضح، أيضاً، أن التقدير الأكثر حضوراً لدى المعلقين هو أن ما جرى في لبنان قد تكون له تبعات في أكثر من اتجاه، وإن كان من المبكر ترجيح أي منها. المراسل العسكري في «القناة الـ 12»، نير دفوري، أشار الى أن الأجهزة الأمنية في إسرائيل سارعت الى توضيح أن لا صلة لها بالانفجار ، وإلى أنه في هذه المرحلة هناك سيناريوان محتملان يصعب تقدير أيهما سيتحقق. الأول أن الكارثة الهائلة لن تسمح لحزب الله بتنفيذ تهديده بالانتقام من إسرائيل، والثاني أن تؤدي هذه الكارثة الى تقويض الاستقرار في لبنان، وأن يوجه حزب الله ذلك باتجاه إسرائيل. وبالمقارنة مع الصور التي نشرها نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة، أوضح دفوري أن هناك مسافة تفصل بين المرفأ ومناطق قريبة من المطار زعم نتنياهو أنها تحتوي مخازن صواريخ.
على المستوى الاستراتيجي، وصف المحلل العسكري في صحيفة «يسرائيل هيوم»، يوءاف ليمور، الانفجار بأنه «حدث يقلب الواقع... واتضاح تبعاته الكاملة ما زال بعيداً». ولفت الى أن «تجارب الماضي تدل على أن إسرائيل حذرة جداً في اختيار أهدافها، وحذرة أكثر في جهودها من أجل ضمان ألا يُحدث ضرراً مرافقاً لهجماتها». وفسّر ليمور أن هذا الحذر يعود أيضاً الى إدراك إسرائيل أن «حدثاً كهذا قد يفتح دائرة دماء وانتقام، تصل إلى درجة الحرب... ورغم أن الأخطاء قد تحدث، لكنّ حدثاً بهذا الحجم، مع آلاف المصابين وأضرار هائلة، خارج سلة العمليات التي تنفذها إسرائيل في العلن والسر». ولكن، رغم ذلك، فإن «الجيش الإسرائيلي يتابع باهتمام التقارير الصادرة في بيروت، لكنه لا يخفض مستوى الاستنفار عند الحدود».
هلع في حيفا ومطالبة بنقل الأمونيا الى مناطق غير مأهولة


وفي سياق متصل، لفت المعلق العسكري في موقع «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، الى أن المرفأ لا يضمّ منشآت من تلك التي تستهدفها إسرائيل. وفيما توقع أن يؤدي الانفجار الى موجات هجرة من لبنان وداخله، قدَّر، في ما يشبه «التحذير» الضمني، أن تؤدي «الكارثة الى تحسن الوضع الاقتصادي في لبنان بعد أن تعهد صندوق النقد الدولي ودول أجنبية، على رأسها فرنسا، بمساعدات كانوا قد امتنعوا عن تقديمها حتى الآن بسبب العقوبات الأميركية». ولذلك، لم يستبعد أن يضطر الأميركيون الى رفع معارضتهم «لمساعدات كهذه بعد الكارثة. وإذا حدث هذا الأمر، وعلى الأرجح أنه سيحدث، فإنه سينقذ لبنان من حالة الإفلاس الاقتصادي ويسمح له بالحصول على بعض العملة الأجنبية لتمويل الاستيراد وأمور أخرى».
من جهة أخرى، أثار التفجير الذي شهده مرفأ بيروت هلعاً في حيفا من سيناريو مشابه بسبب وجود مصانع للكيماويات ومصفاة للنفط وحاوية عملاقة للأمونيا في مرفئها. ونبّهت رئيسة بلدية حيفا، عينات كليش – روتيم، الى أن «مشهد القتل والدمار الذي شهدته بيروت، ينبغي أن يمثل أمام أعيننا يومياً، وهو ما يمكن أن يحدث في حيفا. وطلبت من رئيس لجنة الداخلية وحماية البيئة في الكنيست، ميكي حايموفيتش، الدعوة إلى «مداولات إثر ما شاهدناه في لبنان»، وإلى «الضغط بقوة من أجل أكبر خطة إغلاق صناعة البتروكيماويات في قلب خليج حيفا، وفي قلب هذه المنطقة المأهولة بالسكان». كما بدأت وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية، غيلا غمليئيل، العمل على إقرار خطة تهدف الى إخلاء المصانع الكيماوية وتلك التي تتعامل بالمواد الخطرة في خليج حيفا، ونقلها الى مناطق غير مأهولة.