رغم رفض الجيش اللبناني، أجرت قوات «اليونيفيل» جنوب لبنان تجربة لطائرة عسكرية استطلاعية فوق موقع «دير كيفا» الفرنسي في الجنوب. الطائرة التي تملكها القوة الفرنسية تحديداً هي أميركية الصنع، تُستخدم لأغراض عسكرية، ويُطلق عليها «بلاك هورنت 3»، من إنتاج شركة «FLIR». ومع أنها تتشابه والطائرات في السوق، لكنها تُصنف طائرة عسكرية حديثة وتحمل ثلاث كاميرات فائقة الدقة: واحدة حرارية واثنتان بصريتان.علمت «الأخبار» أنه قبل إطلاقها، توافرت معلومات للجيش عن نية تجربتها. رفع الجيش اعتراضه، لكن «اليونيفيل» لم تعره اهتماماً. وبعد الانتهاء من «مهمتها»، بعثت «اليونيفيل» إلى الجيش برسالة من خمسة أسطر فحواها «أننا استخدمناها داخل موقع للأمم المتحدة، آملين المزيد من التعاون معكم». جرت هذه الواقعة أواخر نيسان الماضي، لكنها لم تكن المرة الأولى التي تقتني فيها «اليونيفيل» طائرات من دون طيار. فمنذ حرب تموز 2006، وعقب أشهر على انتهائها، شحنت فرنسا طائرات مسيّرة من نوع «Sagem» إلى «اليونيفيل» تحت عنوان «تحسين القدرات الاستخبارية». لكن تحت ضغوط الجيش اللبناني واتهامات لها بالتجسس، رضخت القوة الفرنسية وسحبتها من الخدمة.
ووفق المعلومات، شُخّصت طائرة أخرى خلال الشهرين الماضيين ترصد المنطقة فوق موقع رأس الناقورة ولم يُعلم نوعها. تقول مصادر إن هذا كله يجري في منطقة «OLP1» الجوية جنوب الليطاني، وهي منطقة حظر جوي وفق القرارات اللبنانية، مع استثناء تحليقات «اليونيفيل» المروحية، لكن لم يُمنح للقوات الدولية استثناء للطائرات المسيّرة بالتحليق، كما لم يُذكر في القرار 1701 أي تفصيل يسمح باستخدامها هناك.
وقبل شهر، بدأت «اليونيفيل» بنشر عشرات الكاميرات على طول الخط الحدودي يُراوح مداها بين 500 متر وأربعة كيلومترات. وتأتي هذه الخطوات بعد «المراجعة الاستراتيجية» الأخيرة التي أجرتها القوات الدولية مطلع الشهر الماضي، وهي «الدراسة» الرابعة من نوعها التي أجرتها «اليونيفيل» منذ عام 2006، وسبقتها مراجعات في أعوام 2012 و2017 و2018.
في التقرير الأخير، وتحديداً ما ورد منه في الفقرة الثامنة من قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2485 (29-8-2019)، بعنوان «تكليف اليونيفيل - قسم عمليات حفظ السلام»، تحوي الدراسة مقاربة لوضع القوة الدولية على كل الصعد، المالية والميدانية والعسكرية، وأمن وسلامة القوة ضمن كل الجوانب، البحرية والجوية والبرية، وأيضاً «العلاقة مع الجيشين اللبناني والإسرائيلي».
في النتائج أن مجموعة من المؤثرات ستفرض على قوة الأمم المتحدة على الأرض اللبنانية تغيير طرق العمل ومستوياته. الأهم ملاحظة قيادة «اليونيفيل» أن القوة في لبنان «حقّقت إنجازات كبيرة على مستوى الاستخبارات التي عادة ما تكون منخفضة الكلفة، مقابل شبه غياب للإنجازات العملياتية التي تُعد مرتفعة الكلفة». على هذا الأساس، بات تعزيز القدرة الاستخبارية أمراً مهماً ومستعجلاً، ولهذا عُزز العمل على الكاميرات الحديثة وأمكنة توزيعها من جهة، وإعادة تنشيط طائرات من دون طيار من جهة أخرى. ويبدو أنها «قرارات مفيدة» ومنخفضة الكلفة، فهيكل القوة الدولية يفوق بكثير صلاحياتها الفعلية وفعّاليتها الحقيقية، كما يقول التقرير، وخاصة أن «الكثافة عالية بالنسبة إلى القوات التي تنفذ مهمات محصورة في منطقة عمليات ضيقة»، إذ يعمل 10500 عسكري جنوب الليطاني بمساحة 640 كلم مربعاً، وكل هذا يوجب كلفة كبيرة وسط الأزمة الاقتصادية العالمية.
لذلك، ركّزت المراجعة على نقاط أهمها: تقليص العديد، إخلاء ودمج مواقع، الاستغناء عن وحدات هندسية غير ضرورية، تخفيض عدد القطع البحرية، تخفيض عدد الآليات الضخمة واستبدالها بآليات خفيفة ومدرّعة. وفي المقابل: الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تركز على الاستخبارات وجمع المعلومات.
تعديل عمل «اليونيفيل» سيُدخلها في خطورة تلقّي ردود الأفعال


تتزامن الإجراءات الجديدة مع الانتقادات الكثيرة التي رفعها الإسرائيليون إلى قيادة «اليونيفيل»، والتي تصبّ في سياق السخط على الأداء غير المجدي ومحدودية العمل. بيَّن رئيس القسم الاستراتيجي السابق في الجيش الاسرائيلي يوسي هايمان في دراسة له أن هناك فجوة كبيرة بين ما تورده الأمم المتحدة والوضع الحقيقي، حيث الأمور، وفق تعبيرهم، «حبلى بالاحتمالات الكارثية»، في حين أن «اليونيفيل معصوبة الأعين ومقيّدة الحركة، وأعمالها بلا جدوى على أرض الواقع». الحل، على ما تبينه الوقائع، هو التعجيل في الاتجاه نحو العمل الاستخباري، حتى قبل موعد قرار التجديد لليونيفيل في آب المقبل، ومعرفة إذا ما كانت المهام ستُعدّل أم لا. كل هذا يجعل تعديل المهام واقعاً تفرضه القوة الإيطالية والفرنسية تحديداً، من دون انتظار قرار رسمي. والهدف من ذلك، إلى جانب تأمين «سبب للوجود»، هو تعويض الغياب البري الإسرائيلي. في المقابل، ترى مصادر متابعة للملف أن هذا التعديل لعمل «اليونيفيل» التي تتكوّن قواتها من مجموعة دول سيدخلها في خطورة تلقّي ردود الأفعال.
اللافت، وفق المصادر، أن الفرنسيين بدأوا تقليص أعداد العسكريين بسحبهم 200 جندي من أصل 1150، فيما عوّضوا رحيلهم بقوات فنلندية. وترجح التقديرات أن يبقى الفرنسيون بحضورهم القيادي، أما من سيكون «داخل المحرقة» إذا اندلعت المعركة بين المقاومة وإسرائيل فهو باقي القوات. وهذا هو رأي الإسرائيليين، إذ أشارت تقديرات إسرائيلية إلى أنه في حالة الحرب، سترى الحكومات التي أبقت على قواتها في لبنان، جنودها عالقين في ساحة معركة مشتعلة.