عقد رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان مؤتمراً صحافياً ليُعلن فيه «تقرير لجنة تقصي الحقائق»، الواردة في خطّة الحكومة المالية. «لم نكن طرفاً في المشكلة بين الحكومة ومصرف لبنان، ولن نكون... لسنا حزب المصارف ولم نُناقش خطّتهم، بل ناقشنا معهم خطّة الحكومة، فهل هذه جريمة؟»، قال كنعان في مُستهلّ مؤتمره الذي شنّ فيه هجوماً على الحكومة، وجمع فيه نواب لجنة المال والموازنة، في محاولة شكلية منه لينزع عنه صبغة أنّ التقرير النهائي هو «تقرير كنعان». ولكن ما لم ينجح نائب تكتل لبنان القوي في تسويقه هو «حياديته» في الكباش بين القطاع المصرفي من جهة والحكومة اللبنانية من جهة أخرى، كما لو أنّهما أصلاً مُختلفان حول أمر بسيط، كترسيم عقار. المعركة اليوم هي في أيّ نظام اقتصادي يُراد للبلد؟ من سيتحمّل خسائر المرحلة الماضية؟ ومن سيُعوّض على المواطنين تبديد ثرواتهم الشخصية والعامة؟ في هذا المنحى، يُصبح اتّخاذ موقف في هذا الموضوع «واجباً وطنياً». كلّ ما قاله كنعان في مؤتمره ساهم في تبديد الغموض المُتبقي حول توزّع القوى المعنية بين الجبهتَين. فكنعان الذي يطرح نفسه ولجنة «تقصّي الحقائق» حكماً بين مُتنازعين، تحدّث من موقع المُهاجم للحكومة وخطّتها وأرقامها، ساخراً من مقاربتها، ومُرّفعاً نفسه إلى موقع الفريق الذي عوّض عنها عدم قيامها بعملها. «قدّمنا خيارات وحلولاً ولم نكن أقرب إلى أحد غير الحقّ ومصلحة الوطن وكان يُفترض بالحكومة التحاور مع الجميع، وكنا وفّرنا ما وصلنا إليه». أمّا أبرز تضليل مارسه كنعان في حديثه فهو ذكره الاقتطاع من الودائع («الهيركات»). في خطة الحكومة، «241 ألف مليار مجموع الخسائر 241. منها 73 ألف مليار في المالية العامة، أي دين على الدولة. من أجل تنظيف ميزانية الدولة، وخفض معدّل الدين على الناتج المحلي نقلوا هذا المبلغ إلى مصرف لبنان، كأنّ المصرف في جزر الكاريبي». وأضاف كنعان بأنّه «على أساس لا يوجد هيركات، تبيّن أنّ هناك شطب 75% على سندات اليوروبوندز (سندات الدين الخارجي) و40% على سندات الخزينة بالعملة الوطنية. من أقرضهم؟ معروف أنّ المصرف يُقرض الدولة، والمصارف مع مصرف لبنان اكتتبوا في اليوروبوندز. عوض أن نردّهم إليهم، قالوا لهم إنّهم لن يدفعوا»، ساخراً من أنّه «حتّى بكرا يقولولن المصارف ما رح ندينكم». ولا يكتمل «الابتزاز» سوى بالربط بين إعادة هيكلة الديون، والمساعدات التي تُريد الحكومة تقديمها للأكثر حاجةً في المجتمع وبعض القطاعات الإنتاجية، «حدا بيطلب وبيشطب؟ ليش بدّو يعطيك؟»، سأل كنعان نيابةً عن المصارف، جازماً أنّه لا يوجد دولة في العالم، «باستثناء روسيا لفترة محدودة»، شطبت ديناً داخلياً. السبب، بحسب صندوق النقد الدولي، أنّه «لا يوجد نموذج مُشابه في العالم». يُصرّ كنعان على أنّ خطة الحكومة تتضمّن «هيركات» على الودائع. علماً أنّه خلال المؤتمر الصحافي للمدير العام المستقيل لوزارة المال، آلان بيفاني قبل يومين أكّد أنّ المودعين الكبار الذين استفادوا من الفوائد المرتفعة جدّاً هم الذين سيتم إشراكهم بإعادة رسملة المصارف. القيمة لا تتعدّى الـ3 مليارات دولار، ولا تُمثّل أكثر من 13% من مجمل الودائع في الحسابات التي تفوق 10 ملايين دولارات. هؤلاء الذين يبدو أنّ كنعان يريد أن لا يُصيبهم «الهيركات»، لأنّ صغار المودعين وأبناء الطبقات الشعبية خسروا نسبةً كبيرةً من أموالهم جرّاء انهيار سعر الصرف وسرقة المصارف لودائعهم، من دون خطة ولا قانون.

أبرز ما قاله كنعان في مؤتمره، هو التالي:
- وظيفة المجلس النيابي مناقشة الخطة الحكومية، لأنّها ترسم مستقبل لبنان لأجيال قادمة وتغيّر الكثير من المعطيات المالية والاقتصادية.
- نفتخر باتّهامنا بمناقشة الخطة مع أصحاب الشأن، وهذا لا يعني أننا أخذنا طرفاً معهم أو تبنّينا مواقفهم، والماكينة التي تقول عكس ذلك تقلّل من ذكاء اللبنانيين.
- لا أرقام لدينا بل ناقشنا أرقام ومقاربات الحكومة ومصرف لبنان وجمعية المصارف، ولو يسمح لنا دولة رئيس مجلس النواب كشف المحاضر لتبيّن للبنانيين كل ما قيل ومن قاله.
- ما من دولة اقتطعت من سندات الخزينة بالعملة الوطنية لأنّ الدولة تسدد بموجبها للمستشفيات والجيش والمتعهدين والضمان الاجتماعي، وشطبها يعني شطب مستحقات هذه الشرائح.
- الاكتتاب بصندوق الأموال المنهوبة كمن يبيع المودع سمكاً في البحر، فأمّنوا الصندوق قبل الاكتتاب فيه.
- الـ«Bail in»، هو «هيركات» وإجراء وهمي.
- تبين فارق 26 ألف مليار بين ما تطرحه الحكومة وحقيقة أرقام القروض المتعثرة. المشكلة أنّ الحكومة تُدرك أنّها مُخطئة ولكن يجب أن يتحمّل أحد غيرها الخطأ.
- ما هذه الجريمة أنّنا ناقشنا مع المصارف خطة الحكومة؟ ألا تتحدثون أنتم (الحكومة) مع مصرف لبنان لمراجعة الأرقام؟ لماذا تعتبرون عمل لجنة تقصي الحقائق تعدّياً عليكم أو إدانة لكم؟
- حين يُحكى عن فروقات بمئات آلاف المليارات، وهذا موثّق، نقف مُتفرجين؟ نكون حزب المصارف؟
- لا نملك أرقاماً خاصة بنا، بل هي مقايضات أنتم (الحكومة) عرضتموها.
- هناك استراتيجية خاطئة فالمطلوب من الحكومة ومصرف لبنان والمعنيين محلياً يشوفوا بعض قبل ما يشوفوا شو بدو صندوق النقد.
- لا يمكن اعتبار الدولة مُفلسة طالما أصولها وموجوداتها متوافرة.
- صندوق النقد (اعتبر أنّ أرقام الحكومة هي الدقيقة) فرصة ضرورية للبلد وممر إلزامي للحصول على تأشيرة تمويلية، ولكن لا يمكن الذهاب للتفاوض «بلا شي».
- المشكلة الحقيقية أنّ صندوق النقد لا يثق بأن الدولة ستنكث بوعودها الإصلاحية مرة جديدة.
- صندوق النقد أكّد في لقائنا معه أن لا تمويل في غياب الإصلاح.
- مسألة الأرقام هي مسألة افتراضات فلنقُم إذاً بالافتراضات الصحيحة لنصل إلى الأرقام الصحيحة.
- إقراض المصرف المركزي من ودائع المصارف، من دون إقامة حساب لمعايير المخاطر، أسهم في تبديد الودائع وحقوق أصحابها.
- إقراض المصارف من ودائع المواطنين، من دون إقامة حساب لمعايير المخاطر، أسهم في تبديد ودائع المواطنين.
- الفوائد المرتفعة على الإقراض أسهم في ارتفاع عجز الموازنة العامة.