تحوّل ارتفاع أسعار السلع في الأشهر الأخيرة إلى محطّ رصد دوري من المؤسسات الرسمية المعنية وبرامج المساعدات الدولية العاملة في لبنان. التزايد العشوائي والمطّرد في مؤشر الاستهلاك، متزامناً مع استعار الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة وجائحة كورونا، كلها عوامل أدت إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين واتساع طبقة الفقراء والمتعثرين. عدد من الدراسات والإحصاءات والمسوحات صدرت في الآونة الأخيرة، فضحت الهوّة بين احتياجات السكان وقدرتهم على تلبيتها ووثقت ارتفاع الأسعار بين العام الحالي والعام الفائت.إدارة الإحصاء المركزي التابعة لرئاسة مجلس الوزراء سجّلت ارتفاعاً بنسبة 56 في المئة في «مؤشر الاستهلاك» بين أيار 2019 وأيار 2020. هذه خلاصة توصل إليها فريق الإحصاء بعد مقارنة أسعار السلع الأساسية والكمالية خلال عام واحد في مختلف المحافظات.
في مقابل زيادة الخمسين في المئة من عام لآخر، سجل مؤشر غلاء المعيشة تضخماً في الأشهر الأربعة الأولى بمعدل وسطي بلغ 21.3 في المئة. وبلغ التضخم منذ بداية العام 45.8 في المئة، وهو رقم مرتفع جداً نسبة الى السنوات الماضية.
وفي التقرير الأخير الذي أصدره «الإحصاء المركزي» لتغير مؤشر الاستهلاك بين نيسان وأيار الماضيين، أظهر ارتفاعاً بنحو 7 في المئة. فقد كشف رصد السوق الذي سجل في أيار الماضي، ارتفاع أسعار السلع من نيسان إلى أيار بمعدل 6.94 في المئة. واحتلت محافظة جبل لبنان المرتبة الأولى في الزيادة وسجلت ارتفاعاً بلغ 7.25 في المئة. أما الزيادة الأقل، فقد سجلت في محافظة النبطية بنسبة 5.54 في المئة. البيانات التي جمعت من المتاجر واستمارات عبر الهاتف ومن مصادر التوزيع الأساسية، أظهرت فقدان عدد كبير من البضائع من السوق. إلا أن الأسعار المفقودة احتسبت عن طريق ضرب سعر الفترة السابقة بمتوسط تغيّر السعر في الأصناف المتاحة من السلعة نفسها.
لكن بالنظر إلى منهجية «الإحصاء المركزي» باستقاء الأرقام عبر الهاتف أو عبر تقدير أسعار السلع المفقودة وتأثر حركة العاملين بالتعبئة العامة، تطرح تساؤلات حول واقعية نسبة السبعة في المئة في ظل ارتفاع قياسي لسعر صرف الدولار من 4 آلاف ليرة للدولار في نيسان إلى 5 آلاف ليرة في أيار. إذ كان جلياً أن بعض السلع زادت أسعارها بنسبة 100 في المئة ربطاً بسعر الصرف. قياس «الإحصاء المركزي» يقابله (على سبيل المثال) قياس برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الذي رصد ارتفاع أسعار السلة الغذائية بنسبة 56 في المئة بين أيلول 2019 ونيسان 2020. وعن الفارق بين أسعار آذار ومنتصف نيسان الماضيين عندما سجل سعر الصرف ما يزيد على 4 آلاف ليرة للدولار (أي بفارق 165 في المئة عن السعر الرسمي)، رصد البرنامج ارتفاع سعر السلّة من 52 ألفاً إلى 58 ألفاً. وبدءاً من الأسبوع الثالث من نيسان، ارتفع سعر السلة إلى 62 ألفاً قبل أن يصل إلى 70 ألفاً في الفترة بين 27 و30 نيسان.
انخفاض أسعار المحروقات والسكن أدى إلى امتصاص الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائيّة


إحدى المشرفات على الإحصاء، إليسار ناصر، أوضحت لـ«الأخبار» أنه «لا يمكن اعتبار رقم 7 في المئة، المتوسط المرجّح لجميع بنود الإنفاق في سلة المستهلك رقماً صغيراً ومبسطاً. انخفاض بعض البنود أدى إلى امتصاص الارتفاع في البنود الأخرى، ما أثّر على المؤشر بشكل عام». وفي هذا الإطار، أدى انخفاض بند المسكن والمحروقات، الذي يمثل 28.4 في المئة من السلة، بنسبة 1.2 في المئة، إلى امتصاص الارتفاع الكبير لبند المواد الغذائية الذي يمثل 20 في المئة من سلة المستهلك، وبالتالي ينعكس ذلك على المؤشر العام. لكن، هل هذا القياس مبرّر في ظل الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار بين نيسان وأيار؟ وفق ناصر، «تشاورت إدارة الدائرة مع مجموعة واسعة من نقاط البيع حول أسعار أيار حين تأثرت منتجات محددة مثل الطعام والملابس والأدوات الإلكترونية والإقامة في الفنادق، بسعر صرف الدولار. وتمّ استخدام التغيّرات في سعر الصرف لتقدير الأسعار المفقودة التي تأثرت بتغيّرات سعر الصرف. فتمّ إحلال الأسعار باحتساب متوسط التغيّر في سعر صرف الدولار لتقدير الأسعار المفقودة على عدد محدّد من المنتجات التي تأثرت بشكل مباشر».
الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك الذي أصدره «الإحصاء المركزي» عن أيار الماضي، استهدف قياس أسعار مجموعة محددة من السلع والخدمات النموذجية التي تستهلكها الأسر، وتسمى «سلة الاستهلاك» التي تشترى شهرياً. ومن شهر الى شهر يختلف المبلغ المدفوع لشراء هذه السلة بحسب تغيّر أسعار الأصناف، وأبرزها المواد الغذائية والألبسة والأحذية والتجهيزات المنزلية والمياه والكهرباء والسكن والمحروقات والطبابة والنقل والاتصالات والتعليم. في جدول المقارنة بين أسعار شهرَي نيسان وأيار، سجّلت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية زيادة بنسبة 14.85 في المئة. أما أسعار الألبسة والأحذية فارتفعت بنسبة 15.86 في المئة. الزيادة اللافتة سجلت في فواتير المطاعم والفنادق التي زادت بنسبة 52.39 في المئة، في مقابل زيادة 28.86 في المئة على الأثاث والتجهيزات المنزلية وصيانة المنازل. وفي خانة المسكن، زادت بدلات الإيجار القديم (عقود قديمة) بنسبة 1.35 في المئة وبدلات الإيجار الجديد 0.32 في المئة. الانخفاض الوحيد في الأسعار، سجل في فواتير المياه والغاز والكهرباء والمحروقات التي سجّلت تراجعاً بقيمة 3.67 في المئة.