الدعوى التي رفعها جوزف ضوّ وزوجته كارين في محكمة نيويورك على مصرف لبنان وثلاثة مصارف تجارية، سيكون لها وقع خاص لأنها تتهمها بالتآمر على الابتزاز والاحتيال وتطالب بتصنيفها مؤسّسات فاسدة تبعاً لما يعرف بقانون «RICO». ليست هناك تعقيدات مصرفية في الدعوى، بل هي على بساطتها تختصر سلوك المصارف ومصرف لبنان تجاه المودعين منذ عام 2016 لغاية تطبيق القيود الاستنسابية وغير القانونية على عمليات السحب والتحويل في مطلع 2019 وتشديدها تدريجاً إلى أقصى الدرجات اليوم.باختصار، القصّة هي على النحو الآتي: جوزف وكارين متزوجان ويحملان الجنسية الأميركية، ولديهما حسابات في ثلاثة مصارف لبنانية (الاعتماد اللبناني، بنك الموارد، وبي أل سي بنك) بقيمة 18.5 مليون دولار هي عبارة عن أصل المبالغ والفائدة عليها. عملية الإيداع حصلت في عام 2016 بينما محاولة سحب المبلغ استمرّت لفترة طويلة في عام 2019 بلا جدوى وصولاً إلى رفع الدعوى القضائية في 10/5/2020.
قد يصار خطأ إلى اختصار قصّتهما بما حصل معهما في الفترة التي مُنعا فيها من سحب الأموال، أي في عام 2019 وصولاً إلى رفع الدعوى، وهي فترة يكاد يكون موضوعها معروفاً للجميع، أي لجوء المصارف ـــ بتعليمات غير مكتوبة وتوجيهات مباشرة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ـــ إلى فرض قيود استنسابية على عمليات السحب والتحويل. لكن القصّة الفعلية، هي تلك التي تبدأ بتنفيذ الهندسات المالية وصولاً إلى «انهيار القانون في لبنان» كما ورد في روايتهما في الدعوى المقامة أمام محكمة نيويورك.
بحسب نصّ الدعوى، فإن حاكم مصرف لبنان عمل منذ مطلع التسعينيات على تثبيت سعر صرف الليرة تجاه الدولار بشكل اصطناعي لتشجيع تدفق الأموال بالعملات الأجنبية إلى لبنان، وخصوصاً بالدولار، بينما جذبت المصارف اللبنانية هذه التدفقات بشكل احتيالي من خلال إقناع المودعين بفوائد عالية والسماح لهم بتحريك حساباتهم ساعة يشاؤون. هذه الخلفية لم ترد عبثاً في مقدّمة الدعوى، بل مهّدت لتوصيف في غاية الأهمية: إنه «مخطط بونزي». «فالمصارف كانت تعلم بأن الفوائد العالية التي تعطيها للمودعين ليست مستدامة، وأن الأمر يتطلب منها الاستمرار في الاحتيال لاستقطاب المزيد من المودعين الجدد لإبقاء المخطط سارياً». هذا بالضبط ما يعنيه «مخطط بونزي». إنها عملية احتيال تتضمن جذب الأموال بالإغراء والوعود بعوائد مرتفعة يتم تمويلها بالأموال المجتذبة حديثاً، ما يعني أن هناك حاجة متواصلة إلى جذب المزيد من الأموال وبوتيرة تتسارع تدريجاً إلى أن ينفجر «المخطط» في لحظة ما.
المصارف كانت تعلم بأن الفوائد العالية التي تعطيها للمودعين ليست مستدامة


بالفعل، هذا ما حدث في عام 2016. «فقد بدأ تدفق الودائع بالدولار ينضب، ما زاد الضغط على مخطط بونزي» بحسب ما ورد في الدعوى. فمن المعروف أنه في تلك السنة وفي منتصفها تحديداً، نفّذ مصرف لبنان هندسات مالية بقيمة إجمالية فاقت 15 مليار دولار، وحققت أرباحاً فورية للمصارف تفوق الـ 5 مليارات دولار… على أي حال، تشير الدعوى إلى أن المصارف قدمت عروضاً لاستقطاب مودعين جدد بفوائد مرتفعة عبر الكذب وحضّ الزبائن على عدم سحب ودائعهم… وعندما توقف تدفق الودائع انهار النظام المصرفي.
بالنسبة إلى وديعة الزوجين، فقد كانت مجمّدة لمدة شهر. قبل محاولة سحبها «حاولت المصارف زيادة أجل الوديعة لأكثر من شهر لكننا رفضنا». وفي عام 2019، احتاج الزوجان إلى هذه الوديعة من أجل تسديد التزامات عقارية في الولايات المتحدة. في البدء، وافقت المصارف «لكنها طلبت وقتاً إضافياً لتنفيذ العملية». وبعد فترة، أصرّت المصارف على إصدار شيكات مسحوبة على مصرف لبنان. ثم استعملت المصارف «علاقاتها لإجبار المدّعيين على القبول بشيكات مصرف لبنان الوهمية رغم أنها لم تنوِ تنفيذ العملية». يومها أُقنع الزوجان بأن الشيكات مقبولة في الولايات المتحدة وهي مضمونة من مصرف لبنان. «مصرف لبنان وعن علم، أصدر شيكات سيئة في إطار دوره التآمري، وأتاح للمصارف إصدار شيكات بلا قيمة رغم نيته بعدم تسديدها، وهو ليست لديه حصانة تجاه هذا الأمر. هذا يُعد ابتزازاً ويندرج في إطار قانون الفساد لتصنيف هذه المؤسسات على أنها فاسدة. إنه انهيار للقانون في لبنان».
يضيف الزوجان: «لم تكن لدى المصارف أي نيّة للتنفيذ. فمن دون علمنا قررت هذه المصارف خرق حقنا في سحب الوديعة أو تحويلها من دون أن يكون لديها أي سند قانوني لذلك». والمصارف رفضت طلبات السحب القانوني للودائع رغم أنها «حوّلت أموالاً إلى السياسيين والمديرين التنفيذيين ومساهمي المصارف وأقربائهم». هذا الأمر ينطوي على معاملة تمييزية. فهذه المصارف «سرقت الودائع صراحة، وتواطأت مع مصرف لبنان على فرض قيود وضوابط استنسابية وقهرية وغير قانونية على الودائع والتحويلات إلى خارج لبنان... لذا، نطالب بتعويض عن الأضرار بقيمة 150 مليون دولار».