قال وزير الاتصالات كلمته ومشى. أعلن تعيين مجلسَي إدارة جديدين لشركتَي «ألفا» و«تاتش»، لكنه لم يفعل ما يُفترض أن يحوّل هذا الإعلان إلى واقع. شركتا «زين» و«أوراسكوم» لا تزالان تتوليان الإدارة حتى اليوم. لا أحد في الشركتين يدرك كم ستطول هذه الحالة. لكن ما هو محسوم أن التعيين لم يقونن بعد. المطلوب أولاً اجتماع الجمعية العمومية، التي وحدها يحق لها أن تعيّن أعضاء مجلس الإدارة، الذين ينتخبون من بينهم رئيساً للمجلس.وزير الاتصالات طلال حواط، وبعد الكثير من المماطلة في استرداد القطاع، قفز عن ذلك المسار القانوني ليعلن مباشرة أسماء الأعضاء ورئيسَي مجلس الإدارة، بدلاً من الدعوة إلى اجتماع الجمعية العمومية. بحسب المعلومات، لم يطلب رسمياً، حتى اليوم، من رئيسَي مجلس إدارة «ألفا» و«تاتش» الحاليين، أي مروان حايك وايمري غوركان، الدعوة إلى انعقاد الجمعية العمومية. بحكم القانون هما من يحقّ لهما الدعوة، وبحكم القانون، يُفترض أن يُدعى إلى الاجتماع قبل 21 يوماً من موعده (يمكن خفض هذه المدة في حال لم يعترض أي من حاملي الأسهم). يؤكد حوّاط لـ«الأخبار» أن الوزارة أرسلت إلى الشركتين رسالة إلكترونية تطلب فيها دعوة الجمعية العامة الاجتماع، إلا أنهما طلبتا إرسال رسالة رسمية بهذا الخصوص، وهو ما تعمل الوزارة على تحضيره. هذا يعني عملياً أن التعيين المعلن عنه لا يلغي استمرار المماطلة في تسلّم الشركتين. الحديث عن المماطلة، اعتبره وزير الاتصالات في مؤتمره الصحافي الأخير ينمّ عن استخفاف وعدم دراية بآلية الاسترداد. وهو لم يقل ما هي آلية الاسترداد تلك، لكنه قال: «لقد احتجنا إلى بعض الوقت لاختيار مجلسَي الإدارة للشركتين من داخل الكوادر الكفوئين في كل منهما، وطبعاً ضمن معايير التوازنات اللبنانية».
على الأقل عُلم من كلام الوزير أن من الآلية المتّبعة: مراعاة التوازنات اللبنانية (الطائفية والسياسية) ومراعاة أن يكون المعيّنون من داخل شركتَي الخلوي، ومن الكوادر الكفوئين، من دون تحديد معايير هذه الكفاءة. وهذا عملياً يتناقض مع آلية قانونية اقترحتها هيئة التشريع والاستشارات (تتولى مديرية الاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات الإدارة)، كان يمكن لو اتّبعت أن تعفيه من ضغط «التوازنات اللبنانية» لو أراد. وزير الاتصالات يبرر عدم تطبيق الاستشارة بعدم خبرة المديرية في ملف الخلوي، حيث هيئة المالكين هي المعنية في الوزارة بأمور القطاع. ولذلك، يوضح أن خيار اللجوء إلى الموظفين، كان هدفه الاستفادة من خبرتهم في الشركتين ولتجنّب دفع بدلات مالية لأعضاء مجلس الإدارة، لو أتوا من خارج الشركتين.
في مطلق الأحوال يبدو أن المماطلة مستمرة. في الرابع من حزيران الحالي، راسل حواط رئيسَي مجلس إدارة شركتَي زين وأوراسكوم، نجيب ساويرس وبدر الخرافي، محدداً لائحة من المعلومات والمستندات والتقارير والعقود المطلوب تحضيرها من قبل الشركة في مهلة لا تزيد على أسبوعين. اللافت أن حواط يشير في الرسالة إلى أن الوزارة أنشأت لجنة استلام، وأن رئيس اللجنة سيحدد اجتماعات دورية مع فرق عمل الشركتين لإنجاز عملية التسليم. حتى يوم أمس لم تكن الشركتان قد تبلّغتا باسم أعضاء اللجنة، كما لم يتم التواصل معهما باسم هذه اللجنة، ما خلق ارتباكاً مضاعفاً للشركتين، اللتين شرعتا بتحضير المستندات المطلوبة لكن من دون أي معرفة بتاريخ التسلّم والتسليم أو تاريخ اجتماع الجمعية العامة، أو تاريخ خروجهما من إدارة شبكتَي الخلوي. بحسب وزارة الاتصالات، فإن اللجنة شُكلت بالفعل، وهي تضم نحو 15 عضواً موزعين على الشركتين، لكن لم يحدد بعد إن كان سيرأسهما رئيس واحد أو رئيسان، لكن الأكيد بحسب وزير الاتصالات أن التواصل مع الشركتين قد بدأ.
المشكلة الأبرز حالياً تتعلق بعدم البدء بنقل الموظفين الذين لا يزالون قانوناً يعملون لدى «أوراسكوم» و«زين»، بانتظار تعليمات الوزارة التي لم تأت بعد. يوم الثلاثاء الماضي، دخل هذا العامل جدياً على خط التسليم والتسلم. فمحامية النقابة، أكدت أن الموظفين لن يوقعوا على الانتقال إلى ملاك الشبكتين وتبرئة ذمة الشركتين قبل الحصول على حقوقهم. هنا لا تزال قضية الشهر 13 الذي رفضت الوزارة دفعه نهاية 2019 عالقة. ويُخشى أن تؤدي إلى عرقلة استعادة الدولة للقطاع. لكن في الوزارة من يطمئن إلى أن الوزير سيجتمع مع نقابة الموظفين قريباً للتفاهم بشأن المرحلة المقبلة، تحت عنوان حفظ حقوقهم. أما بشأن من يصرون على الاعتراض وعدم توقيع الانتقال، فلن يؤثروا في سياق الاسترداد الذي انطلق في الخامس من أيار الماضي، ويتوقع أن يحتاج إلى ما بين 60 و90 يوماً كما سبق أن أعلن حواط.
في قرار تعيين مجلسَي الإدارة إشكاليتان يتردّد صداهما بين العاملين في القطاع. الأولى، تتعلق بتعيين أعضائه جميعاً من الموظفين في الشركتين، خلافاً للقواعد والممارسات العالمية المعتمدة (تقوم كل شركة مديرة باستقدام فريق عمل إداري وتقني ومالي وقانوني متخصّص في تشغيل وإدارة القطاع). في الإدارة الحالية للشركتين، كانت المخالفة محصورة بـ«تاتش»، التي استفادت من الموظفين اللبنانيين الموجودين أصلاً في القطاع من دون القيام بواجباتها التعاقدية. لكن في الإدارة المعيّنة من قبل حواط، تمدّدت المخالفة لتشمل «ألفا» أيضاً، التي كان مجلس إدارتها يضم ممثلين لأوراسكوم فقط، مع الاكتفاء بتعيين رئيس مجلس الإدارة مديراً عاماً. لكن بالنسبة إلى الوزارة، فإن القاعدة كانت: يمكن اختيار أي كان لعضوية مجلس الإدارة، وقد فضلنا الاختيار من الموظفين لتوفير البدلات المالية.
«أوراسكوم» و«زين» باقيتان إلى حين قوننة تعيينات مجلسَي الإدارة


حتى مع التغاضي عن الإشكالية القانونية تلك، فإن تعيين موظفين في مجلس الإدارة من مراتب دنيا سيخلق تضارباً بين عملهم التنفيذي كمرؤوسين لمدراء أعلى منهم رتبة، وبين وجودهم في مجلس الإدارة، حيث يتخذون قرارات، بصفتهم أعلى منصباً من رؤسائهم التنفيذيين!
الإشكالية الثانية تتمثل في إعادة تعيين عضوين سابقين لمجلس إدارة شركتي MIC2، هما شربل قرداحي وعلي ياسين، عضوين في مجلس إدارتها بعد تسلّم الدولة لقطاع الخلوي. تلك خطوة لا إجماع حول صحّتها من عدمه. ثمة من يعتبر أن أعضاء مجلس إدارة الشركتين السابقتين كانوا، أثناء قيامهم بمهامهم الرقابية والتقريرية، يمثّلون حصراً الشركة الخاصة التي تدير واحدة من شبكتي الخلوي، ما يعني وجوب خروجه نهائياً من ملاك شركة «تاتش» أو شركة «ألفا» بعد خروج شركتي الإدارة من القطاع. وهو ما لم يحصل. فياسين وقرداحي هما من بين أعضاء مجلس الإدارة الذي يمكن أن ينشأ نزاع معه إذا ما تبين لمجلس الإدارة الجديد وجود مخالفات، فكيف يكون القاضي والمتهم شخصاً واحداً؟
مصدر قضائي مطّلع يذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن هذا التعيين يمسّ بجوهر أصول الإدارة، إذ كيف يؤتمن شخص على الشركة قبل أن يُعرف ما إذا كان قام بعمله بشكل صائب أم لا؟
تلك «حجج» لا يعتبرها مصدران من شركتي الخلوي كافية لعدم تعيين أعضاء سابقين في مجلس الإدارة. الحجة أن علي ياسين وشربل قرداحي لم يقبضا يوماً أي راتب من «زين»، والتالي هما لا يعملان لدى الشركة بل في «تاتش». أما الحجة الثانية، فتتعلق بعدم تحمّل أعضاء مجلس الإدارة أي مسؤولية عن أعمال الإدارة، التي تتحملها الشركة المديرة حصراً. ولذلك تحديداً ينص عقد الإدارة على أن تقوم الجمعية العمومية بمنح براءة ذمة لأعضاء مجلس الإدارة بشكل سنوي، من دون أن يؤدي ذلك إلى إبراء ذمة شركتي «أوراسكوم» و«زين».

حواط: فضّلنا اختيار أعضاء لمجلسَي الإدارة من الموظفين لتوفير البدلات المالية

وعليه، فإن الجمعية العمومية عندما تنعقد لتعيين أعضاء جدد، يفترض أن تبرّئ ذمم أعضاء مجلس الإدارة السابقين، ومن بينهم ياسين وقرداحي، ما يسمح بعودتهما إلى مجلس الإدارة مجدداً. ذلك غير صحيح من وجهة نظر مقابلة تعتبر أن عضو مجلس الإدارة هو عملياً وقانونياً ممثل الشركة الذي يشارك في اتخاذ قراراتها، وبالتالي هو مسؤول عن هذه القرارات أمام الجمعية العامة، التي لا يمكنها أن تعطيه براءة ذمة قبل إنجاز عملية التدقيق.
بين وجهتَي النظر، اختار وزير الاتصالات الوقوف على ضفة تعيين موظفين حاليين في الشبكتين في مجلس الإدارة الذي يمثّل الدولة، مسوّقاً لهذا الخيار بوصفه خياراً إصلاحياً لا يكلّف الدولة أموالاً إضافية. هل إجراؤه سليم؟ لا أحد يمكن أن يجيب على السؤال سوى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، التي يفترض أن يلجأ وزير الاتصالات إليها ليتجنّب الوقوع في مخالفة القانون.



رواتب الموظّفين تنتظر تعيين مجلس إدارة
المشكلة التي تتكرر في «تاتش»، وصلت إلى «ألفا» الشهر الماضي. الموظفون لم يحصلوا على رواتبهم لشهر أيار، بسبب عدم وجود مجلس إدارة مخوّل بالتوقيع. في «ميك1» كانت الجمعية العمومية قد مدّدت لمجلس الإدارة في شهر شباط ما سمح له بدفع مستحقات الموردين والموظفين، لكن الأمر لم يحصل في «تاتش»، إلا بعدما تكفّلت «زين» بالدفع من أموالها.
حالياً، تؤكد مصادر في الشركتين أن لا حل سوى إجازة وزير الاتصالات لمجلس الإدارة بصرف رواتب الموظفين. لكن في المقابل، فإن هذه النقطة لم يعرها وزير الاتصالات الأهمية. بالنسبة إليه، فإن أياماً قليلة تفصل عن تعيين مجلس إدارة جديد، فتنتهي المشكلة وتعود الأمور إلى نصابها.
المشكلة في «تاتش» لا تقتصر على التوقف عن دفع الرواتب. الكثير من الموردين لم يقبضوا مستحقاتهم منذ أشهر. وقد تردد أن مورّد المازوت إلى الشركة قد توقف عن تزويدها بهذه المادة، لأنه لم يقبض منذ سبعة أشهر. تلك ليست الحالة بالنسبة إلى وزير الاتصالات الذي يجزم أنه تواصل مع جمال عثمان، صاحب الشركة المسؤولة عن تأمين المازوت لـ«تاتش»، للاستفسار عن السبب. وقد أكد له الأخير أنه بالرغم من عدم قبضه لمستحقاته منذ نحو سبعة أشهر، إلا أنه لا يزال ملتزماً بتأمين المازوت للمحطات. عثمان أوضح لحواط أن توقف محطات عدة عن العمل في الهرمل يعود إلى عدم توفّر المازوت في السوق، وليس إلى أي أمر آخر. وقد تحدّث حواط مع وزير الطاقة، الذي وعده بحل المشكلة، التي طاولت أيضاً المولدات الخاصة.