توحي كلّ المعطيات المتوافرة بأنّ التمديد لمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، الذي تنتهي ولايته الممدّدة أصلاً في نهاية شهر أيّار الجاري (الأحد المقبل)، واقع لا محالة، بعدما نال موافقة أغلب المرجعيات السياسية المعنية بالأمر، وعلى رأسها الرئيسان سعد الحريري وفؤاد السنيورة، فضلاً عن رئيس الحكومة حسّان دياب، بينما يغرّد الرئيس نجيب ميقاتي وحيداً في معارضته «العلنية» للقرار، إضافة إلى اعتراض بعض الجهات الدينية.وأكّدت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أنّ «قرار التمديد قد أُنجز وجرى توقيعه، وأن إصداره رسمياً سيتم في غضون الساعات المقبلة». وأوضحت أنّ التمديد هذه المرّة لن يكون لمدّة خمسة أشهر، كما حصل في قرار التمديد الأخير الذي أصدره مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في 31 كانون الأول الماضي، بل سيكون التمديد للشعّار هذه المرّة إلى حين انتخاب مفتٍ جديد.
القرار المرتقب للمفتي دريان ينسف قراره السابق الذي نصّ فيه على تولي أمين الفتوى في طرابلس، الشيخ محمد إمام، مهام مفتي طرابلس إلى حين إجراء انتخابات مفت أصيل، كما ينسف كل التسريبات حول المخارج المتوقعة التي تسمح بإمرار التمديد للشعّار، وهي اعتذار الشيخ إمام عن عدم تولي مهمة الإفتاء بالتكليف، بعد نقل مشايخ عنه أنّه لن يقدم على خطوة الاعتذار.
قرار التمديد للشعّار يأتي أيضاً غداة تحسّن علاقته بدريان، وهي علاقة شابتها البرودة وعدم الانسجام بين الرجلين منذ انتخاب دريان مفتياً للجمهورية عام 2014، نظراً إلى طموح الشعّار في أن يحلّ مكانه، مع أنّ هذا المنصب هو عرفاً لمشايخ بيروت؛ كما أنّ قرار التمديد الأخير للشعّار جاء مخالفاً قرارات التمديد لبقية المفتين في المناطق (خمسة أشهر للشعّار، وإلى حين انتخاب مفت أصيل في بقية المناطق)، ما عدّه الشعّار «انتقاصاً» منه، لكن اتصالات ولقاءات جرت بين الرجلين أخيراً، بترتيب مسبق، جعلت «الكيمياء تركب» بينهما بعد طول جفاء.
غير أنّ التمديد المرتقب للشعّار ليس الأول. فمنذ انتخابه مفتياً لطرابلس في 27 كانون الأول عام 2008، ليكون بذلك المفتي السابع لعاصمة الشمال منذ الاستقلال، جرى التمديد له للمرّة الأولى في مطلع أيلول عام 2018 لمدّة سنة وثلاثة أشهر، بعدما بلغ السنّ القانونية وهي 70 عاماً، وهو تمديد قوبل باعتراضات سياسية ودينية لم يأبه لها صانعو القرار، وينتظر أن يتكرّر المشهد مرّة ثانية.
وإذا كان الحريري، الذي استقبل الشعّار في منزله بوسط بيروت في 20 أيّار الجاري، قد أعطى الضوء الأخضر لقرار التمديد، فإنّ رئيس الحكومة حسان دياب «لم يُبدِ اعتراضاً على قرار التمديد، نظراً إلى علاقة شخصية وعائلية جيدة تربطه بالشعّار».
احتمال التمديد للشعّار جعل أصواتاً سياسية ودينية في طرابلس ترتفع رفضاً له، ومنها النائب فيصل كرامي الذي تشوب علاقته بالشعّار توترات وعدم انسجام، وتسربت معلومات عن كون كرامي تمنى على دريان عدم الرجوع عن قراره، لكن من دون أن يقود حملة علنية ضده كما فعل ميقاتي. كذلك لم يصدر موقف علني معارض للتمديد من قبَل الوزير السابق أشرف ريفي الذي وصف الشعار يوماً بأنه «مفتي السلطان».
وحده ميقاتي الذي يرفع راية رفض التمديد للشعّار، جعل مناصريه يشنّون حملة واسعة دينية وإعلامية وشعبية احتجاجاً على القرار، فسّرها البعض بأنها «محاولة منه للضغط على الشعّار لتقديم تنازلات له، وأن ينضوي تحت عباءته السياسية في طرابلس، ولو بالاشتراك مع تيار المستقبل». كذلك فإن سير الحريري ودريان بالتمديد للشعّار من دون التشاور مع ميقاتي أو الوقوف عند خاطره، جعل الأخير يُصعّد حملته ومواقفه.
استياء ميقاتي من التمديد للشعّار على هذا النحو، جعل مقرّبين منه يعتبرون أنّ القرار هو بمثابة «ضربة قاسية» سيوجّهها الحريري لميقاتي الذي يرى أنّ التمديد هو «مشروع متكامل لضرب دار الفتوى وإضعافها، تمهيداً لإمرار تعديلات وقوانين مرفوضة».