سكب بسّام حلاق (52 عاماً)، مادة البنزين على جسده وأضرم فيه ناراً لم يقاومها هارباً. هذا ما أظهره الفيديو المتداول. فهو لو كان يملك ما يقاوم به لما فعلَها. حصل ذلك قرابة الثامنة صباح أمس، خارج منزله الكائن في حيّ الدردار على أطراف تعلبايا في البقاع الأوسط، خلف مستشفى البقاع، التي نُقل إليها. ترك زوجته غارقةً في نومها في الصالون الذي كان غرفة نومهما، فيما يتقاسم نجلاه وعائلتاهما الغرفتين المتبقيّتين من المنزل المستأجر. قيمة إيجار المنزل 400 ألف ليرة، وهو مبلغٌ لم تعد العائلة السوريّة اللاجئة تمتلكه منذ سنتين، أقلّه، لكنّ الإيجار لم يكن السبب المباشر لقتل الوالد لنفسه. لم تكن العائلة مهدّدة بإخلاء المنزل، كما جرى التداول، وفق نجله هيثم (27 عاماً)، «قصّة إيجار البيت مش مزبوطة».استفاقت العائلة على صراخ الجيران الذين حاولوا مساعدة الوالد، «ما لحقّوه!». نُقل بسام إلى مستشفى البقاع، بحروق من الدرجة الثالثة، كما أفاد التحقيق الأوّلي لقوى الأمن الداخلي، وهو لم يفارق الحياة على الفور. استمرّت معاناته حتى الرابعة بعد الظهر، حين علمت العائلة بنبأ وفاته. أكثر من سبع ساعات نازع خلالها، وكان يتوجّب نقله إلى مستشفى متخصّص بالحروق البالغة، الجعيتاوي في الأشرفية أو مستشفى آخر في طرابلس. لكنّ «النقلة» دونها موافقة «الأمم» (المفوّضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين - UNHCR) التي أتت متأخّرة، ودونها موافقة المستشفى الذي طلب بدل تأمين بقيمة مليوني ليرة، وهو مبلغ لو امتلكته العائلة لما فقدت معيلها. «ما حدا ردّ علينا خلال النهار، ولا حدا تواصل معنا للمساعدة». هكذا، انتظرت العائلة ساعات، قبل أن تبلغها إدارة المستشفى أن بسام فارق الحياة.
قبل ست سنوات لجأت عائلة بسام من داريا، بريف دمشق، إلى لبنان. تدهور وضع العائلة تباعاً. كان بسّام «نجّار باطون» يعمل في ورش البناء، لكنّه بسبب الوضع الاقتصادي وتوقّف الورش، صار بلا عمل منذ سنتين. لهيثم ثلاثة أولاد، ولشقيقه ولد وحيد، في المحصّلة فقد الأحفاد الأربعة جدّهم أمس، وبقيت جدّتهم في وضع مأسوي. لم تكن عائلته تستفيد من تقديمات مفوّضيّة اللاجئين، «لأننا لم نكن نسكن في خيمة... أجابونا أكثر من مرّة أننا مو متأهلين». هذا «الشرط» حرم عائلة بسام أي مساعدات. «في عزّة نفس»، كرّرها هيثم مرات ثلاث. مات والده بسام، بـ«عزّة نفس»، منعته من الانتقال للسكن في خيمة لتلقّي المساعدات. عزّة النفس، هي آخر ما تبقّى له، وهي منعته حتّى من محاولة إحماد النيران في جسده.
«مثلنا في أمثال»، يقولها هيثم بحرقة، قاصداً وضع اللاجئين السوريين في تعلبايا. أولئك «يفوق عددهم الخمسة آلاف، موزّعين بين تجمّعات اللاجئين في الخيم ومنهم من يستأجرون غرفاً أو منازل في البلدة»، وفق رئيس البلدية جورج صوان، مضيفاً في اتصال مع «الأخبار» أن البلديّة «ستحاول تأمين مساعدة لعائلة الفقيد الذي قتل بسبب سوء وضعه المعيشي». محافظ البقاع كمال أبو جودة أعلن عن «متابعة حالة عائلة الحلاق الاجتماعية، ومحاولة تأمين المساعدة لها»، بالتنسيق مع جهات أخرى، بينها منظّمة UNHCR، (التي احتاج بسام موافقتها) كما ورد في خبر الوكالة الوطنية. مختار البلدة صادق محي الدين، لفت بدوره في اتصال مع «الأخبار» إلى «وضع العائلة السيئ جداً، وأن نصف سكان البلدة وضعهم تعيس، نتلقّى عدداً كبيراً من طلبات الحصول على المساعدة الموعودة من الحكومة للعائلات اللبنانية الأكثر فقراً بقيمة 400 ألف ليرة». هذه المساعدات للعائلات اللبنانية حصراً. فيما ترتيبات وضع اللاجئين السوريين تضعهم على لوائح مفوّضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي بدأت تقلّص مساعداتها لهم وأبرزها الطبابة. مساعدة كان يمكن أن تمنع بسام اللاجئ السوري من إحراق نفسه، لكنّه فضّل الرحيل حرقاً على الانتظار في طوابير طلب مساعدات «الأمم» المشروطة.