في 30 كانون الأول 2019، أصدر مصرف لبنان تعميماً يفرض على شركات تحويل الأموال العودة إلى سداد الحوالات الواردة من الخارج نقداً بالدولار الأميركي، بعدما كان ألزمها مطلع العام الماضي، من خلال التعميم رقم 514، أن تسدّد قيمة التحاويل النقدية الإلكترونية الواردة إليها من الخارج، بالليرة اللبنانية حصراً. فعلياً، سمح التعميم الجديد الذي بدأ تطبيقه في 15 كانون الثاني المنصرم بتدفّق الدولارات إلى لبنان ولو بحجم أقل مما كان عليه الأمر في السنوات الماضية، بخاصة في ظل فقدان الثقة المتعاظم بالقطاع المصرفي وتجنّب المواطنين المخاطرة بتحويل أموالهم عبر المصارف. يؤكد رئيس مجلس إدارة OMT توفيق معوض أن الشركة «التزمت منذ منتصف كانون الثاني الماضي بتسليم التحويلات الواردة من الخارج كاملةً بالدولار، أما من لا يلتزم من الوكلاء فيتعرّض لغرامة مالية، وإن كرر فعلته تُسحب منه الرخصة. وفي هذا السياق نطالب الزبائن بإبلاغ الإدارة فوراً عن أي وكيل يخالف التعميم الصادر عن مصرف لبنان، ويرفض تسليم المبلغ المرسل بالدولار، علماً أن عدد الشكاوى التي وصلتنا قليل جدّاً ولا يتعدّى 1%. وقد تمّت معالجتها فوراً من قبل الشركة. لكن تجدر الإشارة إلى أنه في بعض الحالات، فإن الزبون يطلب من الوكيل المبلغ بالليرة اللبنانية ووفق الضوابط التي فرضها مصرف لبنان، وهو أمر مسموح به».
ويشير معوض إلى أن «التحويلات اليومية الواردة من الخارج عبر الشركة تبلغ حوالى 4 ملايين دولار، وهي إن حافظت على نسقها هذا، فمن المرجح أن تصل إلى حوالى 1.5 مليار دولار، وهو أكثر بقليل من المتوسط السنوي المسجّل خلال السنوات الماضية. ويتراوح عدد المستفيدين من التحويلات من المقيمين حوالى 5 آلاف شخص يومياً، أي ما يزيد على 100 مليون دولار شهرياً. أما التحويلات داخل لبنان، وهي حصراً تجري بالليرة اللبنانية منذ 19 أيلول الماضي، فقد انخفضت بنسبة 20% وهو ما يمكن تفسيره بتراجع النشاط الاقتصادي وتدهور بيئة الأعمال. ونظراً إلى الطلب على التحويلات داخل لبنان بالدولار الأميركي وتلبيةً لحاجات بعض الزبائن، ستدرس OMT إمكانية تطبيق هذه التحويلات بالدولار الأميركي مجدّداً بالإضافة إلى التحويل داخل لبنان بالليرة اللبنانية».
يفسّر الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم هذه الزيادة في حجم التحويلات من الخارج عبر الشركة بأنها «نتيجة حتميّة لفقدان المواطنين الثقة بالقطاع المصرفي وخوفهم من أن يتم احتجاز الأموال المرسلة أو تسليمهم قسماً منها فقط بالدولار على أن يتم تجميد الباقي، أو أن تُسلم على دفعات ومراحل». ويرى بأن هذه التحويلات وإن كانت تشكل متنفّساً وتساعد على تسهيل حياة اللبنانيين إلا أنها «تبقى أقل بكثير من حجم التحويلات الواردة من المغتربين عام 2018 والتي بلغت 7 مليارات و200 مليون دولار، وهذا حتى لو احتسبنا التحويلات الواردة عبر باقي شركات تحويل الأموال غير OMT أو تلك التي لا تزال تحوّل إلى المصارف والتي لا أرقام دقيقة عن حجمها، إلا أنها أقلّ بكثير مما كانت عليه».
أكثر من 1.5 مليار دولار هي التحويلات الخارجية المتوقّعة خلال العام عبر OMT


يبلغ الحد الأقصى الذي يمكن تحويله بالدولار من لبنان وإليه عبر الشركة 7500 دولار بالحوالة الواحدة، علماً أن الحدّ الأقصى الذي يمكن استلامه يختلف بحسب بلد الاستلام. وتخضع الحوالات الواردة إلى لبنان عبر شبكة ويسترن يونيون إلى Double Compliance حيث تدقّق وحدة الامتثال الخاصّة بويسترن يونيون في اسم المرسل واسم المرسل إليه لكلّ حوالة (screening) كما تعتمد أنظمة فحص آلية تستند إلى اللوائح السوداء الدولية (OFAC, EU, UN, إلخ.) والمحلية (BDL/SIC). إضافة إلى التأكّد من أن المرسل أو المستلم لم يتخطّ الحدّ الأقصى للمبالغ المسموحة (compliance limit)؛ علماً أن ويسترن يونيون توقف أي حوالة لمزيد من التحقيق عند الاشتباه فيها. ومن جهتها تدقّق وحدة الامتثال ومكافحة تبييض الأموال في OMT في جميع الحوالات التي تمرّ عبر شبكتها. وبما أن شركة OMT مرخّصة من قبل مصرف لبنان وتخضع لرقابة هيئة التحقيق الخاصّة (SIC) ولجنة الرقابة على المصارف، فهي تلتزم بكلّ القرارات والتعاميم الصادرة عنه، وكلّ الحوالات التي تمرّ عبر شبكتها تخضع للشروط التي يحدّدها مثل KYC ومستندات ووثائق الإثبات.
يبيّن معوض بأن «60% من الحوالات يبلغ متوسطها الإجمالي حوالى 300 دولار أميركي يومياً، فيما كان المعدّل الوسطي تاريخياً 650 دولاراً. أما الـ 40% الباقية من الحوالات فيبلغ متوسطها ألف دولار وما فوق. والمصدر الأساسي للحوالات هو، بالتسلسل، دول الخليج والولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا وأخيراً أفريقيا». ويعيد معوض سبب تراجع الحوالات من القارة السمراء رغم الأعداد الضخمة للبنانيين فيها «إلى القيود على التحويلات التي تفرضها الكثير من الدول الأفريقية ولا سبب سياسياً لها على الإطلاق». كما أن «الكثير من اللبنانيين باتوا يلجؤون إلى الشركة لتحويل الأموال من لبنان وخاصة لأولادهم الذين يدرسون في الخارج، وهو أمر بات يصعب القيام به من خلال المصارف».
يشرح الحكيّم بأن متوسط التحويلات البالغ 300 دولار أميركي له عدة أسباب «أولها حذر المواطنين من تحويل مبالغ أكبر، وتراجع ظروف العمل في الخارج وبخاصة الهبوط الحادّ في أسعار النفط وتأثيرها على المغتربين». ويعتبر بأن هذا المبلغ «يساعد اللبنانيين على تسيير شؤونهم الحياتية الأساسية ويعزز من قدرة صمودهم في مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، وهو مبلغ كافٍ خاصة أن كلفة المعيشة لم ترتفع بنسبة 100% والكثير من الخدمات والسلع الأساسية حافظت على أسعارها مثل الخبز والمحروقات وحتى الإيجارات حيث اضطر الكثير من الملاك إلى تخفيض كلفة الإيجار وقبولهم بأن يجري الدفع بالليرة اللبنانية». ويضيف إلى هذه العوامل سعر صرف الدولار الذي «بحسب معلوماتي لا يزال يشتريه بعض الصرّافين بـسعر 2700 ليرة لبنانية وخاصة إذا كانت تربطهم علاقة خاصة بصاحب الأموال (تفادياً للملاحقة القانونية)، ما يعني أن الـ 300 دولار في هذه الحالة تساوي حوالى 810 آلاف ليرة لبنانية أي أكثر من 500 دولار أميركي وفق سعر الصرف الرسمي».
فرضت هذه المعطيات أن «تأخذ OMT حصة سوقية كبيرة من المصارف وتلعب دوراً أساسياً كان منوطاً بهذه الأخيرة» على ما يقول الحكيّم. وهو ما يعززه حديث رئيس مجلس إدارة الشركة عن «تواصل الكثير من الشركات معنا واستفسارها إن كان بمقدورها تحويل رواتب موظفيها بالدولار من خلالنا».