لم تتأخّر وزيرة العدل ماري كلود نجم كثيراً قبل ردّ مشروع التشكيلات القضائية. القرار كان متوقّعاً، ولا سيما أنّ التسريبات القضائية أجمعت على أنّ مشروع التشكيلات غير مرضيّ عنه سياسياً وسط حديث عن استهداف «قضاة العهد» أو أولئك الذين يدورون في فلك التيار الوطني الحرّ. كان واضحاً تمسّك رئيس الجمهورية بإرضاء القاضية غادة عون التي وضعت استقالتها بتصرّفه إذا ما نُقلت من مركزها قبل أن يُسجن النائب هادي حبيش الذي تهجّم عليها. غير أنّ تأخير ردّها، بحسب مصادر مجلس القضاء الأعلى، سببه استشعار وزيرة العدل الحرج جرّاء إعلانها «على حسابها على تويتر أنّها لن تتدخّل في مسار التشكيلات القضائية بادئ الأمر قبل أن تعود وتتراجع بتغريدة أخرى». وقالت المصادر القضائية إنّ «أعضاء مجلس القضاء الأعلى بذلوا جهداً استثنائياً لصدور التشكيلات بإجماع الأعضاء لقطع الطريق أمام السياسيين وإحراجهم بأنّ أي تدخّل يعني مصادرة لاستقلالية القضاء وإطاحة بها». غير أنّ وزيرة العدل ماري كلود نجم قلبت الطاولة على مجلس القضاء الأعلى. وهي لم تكتف بالتصويب على الثغَر الموجودة في مشروع التشكيلات، بل ذهبت بعيداً في كتاب وجّهته إلى مجلس القضاء الأعلى تحدّثت فيه عن توقّعها تشكيلات قضائية يُلغى فيها تكريس المواقع القضائية للطوائف والمذاهب. هذا المطلب يرى أعضاء مجلس القضاء الأعلى أنّه عصيٌّ على التطبيق. وقد ورد هذا البند في متن كتابها في معرض التمنّي من دون المطالبة به أو التشديد عليه. وقد اعتبرت وزيرة العدل أنه كان بالإمكان المحافظة على التوازن الطائفي أو المذهبي من دون الاستمرار في مخالفة المادة ٩٥ من الدستور التي تمنع تطويب وظيفة لطائفة. وفي هذا السياق، تكشف مصادر قضائية لـ«الأخبار» أنّ اجتماع مجلس القضاء الأعلى مع وزيرة العدل بعد ظهر أمس «لم يكن ودياً، مشيرة إلى أنّ الوزيرة نجم تحدّثت عن بعض المعايير غير القابلة للتطبيق».وانطلقت الوزيرة في كتابها من الإشادة بأعضاء المجلس لإسناد مشروع التشكيلات إلى أسباب موجبة للمرة الأولى، ثم تطرقت إلى الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان وتطلّعات الشعب اللبناني بعد انتفاضة 17 تشرين الأول. غير أنّها أخذت على التشكيلات عدم مراعاتها مبدأ الشمولية في تطبيق المعايير الموضوعية التي حدّدها المجلس وتحديداً في النيابات العامة ودوائر التحقيق. مأخذٌ ثانٍ سجّلته وزيرة العدل على مشروع التشكيلات لجهة اختيار القضاة العدليين لدى المحكمة العسكرية، معتبرة أنّه لا يأتلف مع الصيغ والإجراءات التي تنصّ عليها أحكام المادة ١٣ من قانون القضاء العسكري التي تنصّ على الآتي: «القضاة العدليون لدى المحاكم العسكرية يعيّنون من قضاة الملاك العدلي بمرسوم بناءً على اقتراح وزيرَي العدل والدفاع الوطني وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى». واعتبرت وزيرة العدل أنّ التأكد من تطبيق هذه المعايير من واجبها الوطني. وهنا تقول مصادر مجلس القضاء إنّ «الإصرار على وجود اقتراح لوزيرة الدفاع مردّه الإصرار على إبقاء القاضيين مارسيل باسيل ورولان الشرتوني اللذين يدوران في فلك التيار الوطني الحر».
هكذا أُعيد مشروع التشكيلات القضائية إلى مجلس القضاء الأعلى الذي يقف على مفترق طُرق بشخص رئيسه القاضي سُهيل عبود. فهل يتمسّك بالتشكيلات التي خرج بها أعضاء المجلس بعد مداولات دامت لأكثر من شهرين، رغم مخالفتها للدستور والقانون، أم أنّه سيرضخ لطلب وزيرة العدل؟