يبدو أن مسلسل «القطب المخفية» لا يزال قائماً في الحكومة الجديدة، وخصوصاً في ملف الكهرباء. النزاع السياسي الذي كان قائماً لم يزل بعد. الخلافات حول خطة الكهرباء التي أعدّها وزراء التيار الوطني الحر مستمرة الآن. رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومعه حلفاء من داخل الحكومة وخارجها يواصلون إثارة علامات الاستفهام حول آلية العمل بالخطة. بينما تواصل ملائكة رئيس التيار جبران باسيل حاضرة في وزارة الطاقة كما في مناقشات اللجان الوزارية العاملة على الملف. بيد أن الجميع يدقق في حقيقة الموقف الذي توصل اليه الرئيس حسان دياب بعد الذي سمعه من الأطراف كافة خلال الأسبوعين الماضيين. وهو الذي يترأس اليوم اجتماعاً خاصاً بالملف، مع سعي منه الى تحقيق تقدم من خلال قرارات حاسمة تتخذها اللجنة الفرعية قبل التوجه الى الحكومة سريعاً لأجل إقرار الخطوات العملية.وتضاربت المعطيات حول الموقف في الحكومة. وبينما قالت مصادر وزارية إن الرئيس دياب متفق مع الرئيس بري وحزب الله على ضرورة السير فوراً بتلزيم مشاريع الكهرباء بغية الوصول الى نتائج عملية خلال عام أو أكثر بقليل. فقد جرى التركيز على كيفية مواجهة أزمة إنتاج الطاقة خلال وقت سريع. وسط غياب التوافق على المرحلة المؤقتة التي تتطلب الاستعانة بمولدات كهربائية الى حين اكتمال المعامل من توفير الطاقة البديلة. وبحسب مصدر مطلع فإن خيار البواخر يبدو آيلاً الى السقوط ويجري البحث مع شركات عالمية في توفير بدائل وفق ما يصر عليه البنك الدولي الذي يدعو الى العمل على إنجاز المعامل الطويلة الأمد.
الأمر الآخر يتعلق بموضوع توزيع المعامل. وسط حديث عن إصرار فريق التيار الوطني الحر على تثبيت معمل سلعاتا، وهو ما يقول خصوم باسيل بأنه يعرقل البدء بتنفيذ الخطة. علماً بأن إقامة معمل لإنتاج الكهرباء في سلعاتا لا يرد في المرحلة الأولى من خطة البنك الدولي للكهرباء. وبينما أشيع أن ممثل التيار في الحكومة وزير الطاقة ريمون غجر يصر على موقع سلعاتا الآن، تبين أن الوزير كما الآخرين يعرفون بأن الوقت حالياً غير متاح للعمل خارج دير عمار والزهراني. لكن الجدل استمر بشأن محطات التغويز (تحويل الغاز المسال إلى غاز)، حيث ناقشت اللجان الوزارية المقترح القطري بتمويل عملية بناء محطتي تغويز في الشمال والجنوب، وترك أمر إقامة محطة ثالثة في سلعاتا الى وقت آخر، على أن يجري البحث في تمديد شبكة أنابيب الى سلعاتا في حال إقامة معمل لإنتاج الكهرباء. كما تصر قطر على أن تقوم هي بالتنفيذ.
وبينما قال رافضون لمشروع سلعاتا إنه قد يعقّد الأمر وهو يتطلب عملية طويلة من استملاك العقارات وبناء الشبكات والبنى التحتية، قال وزير الطاقة إن هناك أراضيَ تعود الى الدولة وأنه يمكن ردم البحر بطريقة توفر الكثير على الدولة، وأن الحاجة الى هذه النقطة تعود الى كون معملي دير عمار والزهراني لن يوفرا كمية الطاقة المطلوبة. علماً أن دياب طلب من غجر مراجعة الملف والتثبت من إمكان زيادة انتاج الطاقة في كل من دير عمار والزهراني الى ألف ميغاواط بدل 500 كما هو مقدر الآن، مع الاشارة هنا الى الطاقة المتوقع انتاجها من مشروع «هوا عكار» الذي قررت اللجان الوزارية الموافقة على تمديد العمل به لسنة اضافية كما طلبت الشركة المشغّلة في رسالة سابقة.
وبانتظار استكمال وزارة الطاقة لدفتر الشروط التي تنتظرها شركة سيمينز الألمانية أو جنرال الكتريك الأميركية المالكة لشركة التسوم الفرنسية، فإن الجدل استمر حول مصير العقد مع الشركة اللبنانية الجديدة المفترض أن تبني مشروع دير عمار - 2.
سابقاً، الكل يعرف أن شركة يونانية كان لها شريك لبناني يدعى غسان عندور هي من تتولى ملف دير عمار. لكن تأخيرات وتعقيدات تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤوليتها أدت الى قيام نزاع مع الشركة اليونانية التي قررت مقاضاة الحكومة اللبنانية طالبة نحو 150 مليون دولار كتعويضات. على أن الذي حصل، هو قيام رجل الأعمال علاء الخواجة، بدعم من رئيس الحكومة سعد الحريري، بالتقدم من خلال شركة جديدة لادارة المشروع، مع التعهد بمعالجة المشكلة مع الشركة اليونانية. لكن التفاوض انطلق بعدما اتفق على أن الشركة اللبنانية الجديدة سوف تتقاضى 2.95 دولار عن كل كيلوواط. وهو السعر الأدنى الذي قبلت به الحكومة العام الماضي. وانطلقت على اثرها مفاوضات جانبية بين الخواجة والشركة اليونانية، وحصل أخذ ورد على خلفية حصص تخص راغبين بالمشاركة في الاستثمار، لينتهي الأمر على شراء شركة الخواجة غالبية الحصص ضمن شركة لبنانية أسست من جديد. وهي الشركة التي دخلت في مفاوضات عملانية مع الحكومة ممثلة بوزارة الطاقة.
وفيما برزت في الآونة الأخيرة مؤشرات «مقلقة» حول مصير هذا المشروع، أعلنت مصادر وزارية أن حكومة الرئيس دياب لا تنوي الخروج من المشروع. وتحدثت عن مشكلة يواجهها الخواجة نفسه. لكن مصادر في وزارة الطاقة تفيد بأن الخواجة وجه قبل نهاية كانون الثاني الماضي رسالة الى وزارة الطاقة باسم الشركة الجديدة (Avax DAPP II)، يشرح فيها الموقف من جانبه، ويطلب من الحكومة حسم الأمر سريعاً.
وقالت مصادر معنية لـ«الأخبار» إن الرسالة التي بعث بها الخواجة، لم تطلب الغاء المشروع أو حتى تمديد مهلته لسنة اضافية كما اشيع من قبل مسؤولين في وزارة الطاقة. بل تشير الرسالة الى أنه «بعد الجهد والوقت الكبيرين اللذين بذلتهما الشركة للوصول الى مرحلة متقدمة من المفاوضات بشأن المشروع»، فإن الشركة «على اتم الاستعداد لمتابعة وإكمال المفاوضات المتعلقة بالمشروع التزاماً بمعايير التمويل المحددة من قبل الممولين العالميين وحفاظاً على اعلى مستوى من الشفافية المتوقعة من الجميع». وقالت الشركة في الرسالة إنها «حفاظاً على هذه المعايير، تقترح اعادة اجراء المناقصة للمشروع، وأن الشركة قد تبدي رغبتها الجدية في المشاركة بالمناقصة وهي تعتبر أن عرضها التقني والتجاري والمالي تنافسي بصورة كبييرة ويخدم لبنان، وفي حال فازت شركة أخرى بالمشروع، فإن الشركة المسماة «Avax DAAPP ll» لن تطالب بأي تعويض عن التكاليف التي دفعتها للمستشارين التقنيين والماليين وكلفة الدراسات».
الوقت حالياً غير متاح للعمل خارج دير عمار والزهراني


لكن رسالة الشركة تشير ضمناً الى «أن المشروع تعرض لحملة شائعات مغرضة تم تسريبها عبر وسائل اعلامية عامة وخاصة ولم تبادر الحكومة الى نفيها». وتطالب الرسالة «الحكومة باستخدام اعلى درجات الشفافة لحماية المشروع مستقبلاً».
على أن البحث في اللجنة الوزارية بشأن الملف انتهى الى الطلب من وزير الطاقة ريمون غجر مراسلة الشركة والطلب اليها أن تجيب في مهلة اقصاها اسبوع واحد حول أمرين:
الأول: هل هي مستعدة للسير في المشروع أم لا؟
الثاني: أن تعرض للحكومة اللبنانية ما يثبت قدرتها على توفير التمويل اللازم لتنفيذ المشروع.
وقالت مصادر مطلعة إن وزارة الطاقة ردت على الشركة برسالة جوابية خلال الساعات الماضية، طلبت فيها من ادارة الشركة «الاجابة قبل نهاية الشهر عما اذا كانت تريد المضي بالمشروع أم لا وفق الشروط التي كانت موضوعة في الاتفاقية».
وحسب مصادر معنية بالملف، فان الشركة تلقت رسالة غجر بالأمس، وهي تُعد رداً يتضمن تأكيد «استعدادها الكامل للمضي بالمشروع، وأن ما تطلبه هو أن يكون الاتفاق مقبولاً من قبل الجهات المصرفية أو ما هو معروف عالمياً بـ«bankable p.p.a» أي تماما كما حصل في مشروع انتاج الطاقة عبر الرياح (هوا عكار) حيث كان الاتفاق مراعياً للشروط المصرفية التي تستخدم عادة من قبل الجهات التي توفر تمويلاً لمشاريع من هذا النوع».