أقرّ وزير الأمن الإسرائيلي نفتالي بينيت بفشل استراتيجية «المعركة بين الحروب» في مواجهة التسلح النوعي لحزب الله، وأقرّ بأن ثمانين في المئة من إرساليات السلاح النوعي وصلت إلى لبنان، رغم الضربات الإسرائيلية في الأعوام الماضية.إقرار بينيت بهذا الفشل، أتى في «استعراض قوة» مع إعلاميين في تل أبيب، وعد خلاله بتغيير السياسات المتبعة في مواجهة التعاظم العسكري النوعي لحزب الله، عبر استهداف كل إرساليات السلاح، مشيراً إلى أن «إسرائيل، حتى الآن، كانت تستهدف واحدة من كل خمس شحنات أسلحة إيرانية إلى الحزب. لكنها، اعتباراً من الآن، ستبدأ باستهداف كل الشحنات»! إلا أنه لم يوضح كيف يمكن أن يتجاوز الموانع التي حالت أو تحول دون ذلك، سواء كانت فشلاً استخبارياً و/أو عملياتياً، أو خشية من التداعيات إذا زادت إسرائيل جرعات الاستهداف في سوريا.
المؤكد أن مصلحة بينيت الشخصية تتداخل مع المصلحة العامة للكيان، وإن كان كلامه قد أتى بوصفه وزيراً للأمن. إذ من الواضح أنه يسعى إلى الإبقاء على صورة يمينيّته وتطرّفه في وعي الجمهور الإسرائيلي عبر إطلاق مواقف أكثر تشدداً من موقف الجيش الإسرائيلي نفسه الذي يواجه حزب الله ويحاول الحدّ من تعاظمه العسكري النوعي، مع الحرص على عدم التسبب بحرب.
هل تؤدي «رؤية» بينيت وتصريحاته المتكررة عن مقاربة مختلفة إلى تغييرات في استراتيجية المؤسسة العسكرية وتدفعها الى مزيد من المجازفة؟
تستند هذه «الرؤية» إلى أفكار مطروحة بالفعل على طاولة البحث لدى الجيش الإسرائيلي، ولها من يناصرها، ولكن تعذّر حتى الآن تحويلها إلى قرار عملي، ربطاً بحجم الأذى الذي سيلحق بإسرائيل في حال نشوب مواجهة واسعة مع حزب الله. فنظرياً، بحسب هذه الرؤية، ضرب مكامن قوة حزب الله واقتداره النوعي الآن، حتى لو تسبب بمواجهة ما، سيكون أفضل من مواجهة اقتداره النوعي لاحقاً، بعد اكتمال استعداداته.
مصادر مقربة من بينيت (جيروزاليم بوست) كشفت أنه يسعى إلى إدخال الضربات الوقائية بنداً خامساً على بنود النظرية الأمنية لإسرائيل: الردع والإنذار والحسم والدفاع، أي استهداف الاقتدار العسكري للعدو عبر ضربات مباشرة قبل اكتمال تهديده أو تعاظمه أكثر مما هو عليه.
لكن، هل تكفي هذه الرؤية مع افتراض أن الضربات الوقائية قادرة على تحقيق أهدافها ضد تسلح حزب الله، كي تبرر الأذى المقدر أن يلحق بإسرائيل؟ إلى الآن، لا يبدو أن دوائر القرار في الجيش تستمع إلى ما يرد على لسان بينيت، بسبب تقديرها لتبعات المجازفة، وإدراكها أن النتيجة في ذاتها (منع التسلح النوعي) ستكون متعذرة.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: حزب الله بعديده وعتاده تحوّل إلى جيش


ولمنع الالتباس، فإن انكفاء الجيش الإسرائيلي عن الاستهداف في الساحة اللبنانية ليس موقفاً انتقائياً ضمن سلسلة خيارات متاحة لمواجهة التعاظم العسكري النوعي لحزب الله، بل يأتي نتيجة إدراك تل أبيب ضرورة تفادي تبعات المقاربة العسكرية المباشرة عن الساحة اللبنانية، عبر الامتناع عما يتسبب أو يمكن أن يتسبب بمواجهة واسعة، وهي سياسة ثابتة إلى الآن، ويزيد ثباتها تزايد قدرة حزب الله على إيذاء إسرائيل.
في ذكرى قتلى اصطدام مروحيتين عسكريتين للاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان عام 1997 (73 قتيلاً)، تحدث رئيس أركان الجيش الإسرائيلي افيف كوخافي، أمس، مستعرضاً التهديدات العسكرية المتعاظمة في الساحة اللبنانية مع التأكيد على جاهزية مواجهتها. ويمكن التعامل مع كلام كوخافي في تفصيلاته، أنه نوع من الرد على المواقف المتطرفة لبينيت في المزايدة على الجيش وحضّه على المجازفة في مواجهة اقتدار حزب الله النوعي، ليس فقط في الساحة السورية، بل أيضاً في لبنان.
كوخافي أقرّ بأن الحزب، في الجانب الثاني من الحدود، يستمر في تعاظمه، و«العدو على بعد عشرات الكيلومترات من هنا، من مكان إحياء ذكرى (شهداء) المروحيتين، تحوّل الى جيش إرهابي. وهو جيش نتيجة سلاحه وعديد قواته، وإرهابي نتيجة قيمه ومواقفه». المهم في كلام كوخافي هو التأكيد الذي يمكن اعتباره رداً على بينت، بأن الجيش الإسرائيلي يعمل ما عليه في مواجهة تهديد حزب الله، بالقول إن «المناظر الطبيعية الهادئة والسلمية هنا لا تضلّلنا، فنحن مشغولون (في مواجهة حزب الله) من الصباح إلى الليل، كل أيام الأسبوع، وعلى مدار السنة».
هو إذاً إقرار على لسان الوزير المسؤول عن الجيش الإسرائيلي بأن ثمانين في المئة من السلاح النوعي يصل إلى حزب الله في لبنان. ومن شأن النتيجة أن تفسّر صرخة إسرائيل الدائمة حول تسلّح حزب الله النوعي، كما تفسّر إدراج تل أبيب هذا السلاح تحديداً في المرتبة الثانية بعد التهديد النووي الإيراني. إلا أن الأهم هو أن التعاظم العسكري الذي يدفع إسرائيل للمواجهة، هو نفسه أيضاً، للمفارقة، ما يدفعها إلى الانكفاء عن لبنان.