كان من المفترض لائتلاف بناء الدولة الذي يضم نحو 14 مجموعة؛ أبرزها: حركة الشعب، شباب المصرف، الحركة الشبابية للتغيير، الحزب القومي ــــ الانتفاضة، الشعب يقاوم الفساد، تجمع الشباب المدني، بدنا وطن، بلا اسم، وغيرهم، أن يحتفلوا بذكرى مرور المئة يوم على انتفاضة 17 تشرين بجولة كشف حساب على مزاريب الهدر: من مجلس الجنوب الى مجلس الإنماء والإعمار، مروراً بصندوق المهجرين. إلا أن أعضاء الائتلاف الذين تجمعوا عند مبنى العازارية في وسط بيروت وانطلقوا بباص واحد من هناك نحو مجلس الجنوب في الجناح، تعرّضوا لاعتداء بالضرب من مناصرين لحركة أمل. بدا الأمر سوريالياً في اللحظات الأولى، إذ ما كاد الشباب يترجّلون من الباص لرفع اللافتات، حتى انقضّ عليهم «بلطجية» الحركة من دون أي مبرر.لم يحتج هؤلاء إلى سؤال الشبان المستشرسين الراكضين نحوهم عن هويتهم. فالزعران لا يستحون ولا يغطون أوجههم، بل يصرخون بأعلى صوتهم «نحن حركة أمل يا كلاب... إنتو عارفين لوين جايين. هيدا صندوق المقاومة، صندوق الشهداء»، ليبدأوا بعدها بضرب الشابات والشبان بالعصي والسكاكين والشفرات.
يقول المحامي شريف سليمان الذي أصيب في رأسه، إنهم تعرضوا «للتهديد والشتم والضرب المبرح بغياب العناصر الأمنية التي كنا قد أبلغناها بنشاطنا. كما أن الكاميرات نقلت مسيرتنا من أمام العازارية في موازاة انتشار الدعوات على صفحات التواصل الاجتماعي». بعدها ظهر أحد المسؤولين عرّف عن نفسه وشرع بالإشارة الى بعض الشبان وإعطاء الأوامر للمعتدين: «جيبولي هيدا واضربوه» وسط صراخ المحيطين به: «نبيه بري... إمّاتكن». ورغم تراجع الشباب وتفرّقهم، اختبأ قسم منهم داخل الأبنية وقسم داخل المجمع التجاري المحاذي للموقع وقسم أدخله الأهالي الى منازلهم، فيما ركب البعض في سيارات المارة للفرار. لحقهم «البلطجية» الى داخل الأبنية وركضوا وراءهم وعمدوا الى ضربهم. طُعِنَ أحد الشبان بسكين في ظهره، ضُرِبَ شبان بالعصيّ على رؤوسهم ووجوههم، كُسِرَت يد إحدى الشابات وتعرض نحو 10 غيرهم لرضوض قوية نتيجة الهمجية والوحشية. لا يدري أحد هنا سرّ انسحاب سيارة الدرك التي كانت حاضرة عند وصول الباص، وعما حال دون حماية القوى الأمنية للمتظاهرين وتركهم ضحية للزعران. حتى حين اتصل أعضاء من الائتلاف بمخابرات الجيش التي حضر عناصرها الى المكان لإخراج المواطنين العزل المحاصرين، لحق بهم مناصرو حركة أمل الى مركز حركة الشعب المحاذي لمكتب مجلس الجنوب. واللافت أن المخابرات هي من أبلغت الشباب بضرورة البقاء داخل المركز لأن عشرات الدراجات النارية تجول أمام المركز وتحاصره. انتظر هؤلاء حوالى الساعة قبل وصول سيارات للجيش والدرك، فخرجوا بمواكبة أمنية من مركز حركة الشعب الى العازارية. وكان لتلفزيون الـ«أن بي أن» الجرأة بأن يعدّ تقريراً في نشرة أخباره المسائية أمس يحوّر فيه الحقائق، متهماً الشباب العزل بحمل السكاكين وضرب الأهالي.
غداة التعرّض للضرب بالآلات الحادة، أصدر «ائتلاف بناء الدولة» بياناً شرح فيه ما حصل: «وصلنا إلى رأس الطريق المؤدي إلى مجلس الجنوب وترجّلنا من الباص، تجمّع علينا حرس مجلس الجنوب من ميليشيات حركة أمل، بأوامر من قبلان قبلان كما أعلنوا هم أنفسهم، وانهالوا ضرباً بالعصيّ الغليظة على الرأس والجسم كما استعملوا السكاكين والشفرات الحادة.
«ائتلاف بناء الدولة» حمّل مسؤولية الاعتداء لكل من بري وقبلان

لم يتوانوا عن ضرب النساء ضرباً مبرحاً ولم يتوانوا عن التجمهر أكثر من 8 أشخاص على كل شخص منا وضربنا بالعصيّ الغليظة (…) ظلّوا يطاردوننا إلى المباني المحيطة التي سعينا إلى التواري فيها ولم نقدر على الخروج إلا بعد وصول دورية للمخابرات وأخرى لقوى الأمن لإخراجنا من الكمين المحكم». وأعلنوا أن «أي سكين غدر يتعرض له أي ثائر من ثوار ائتلاف بناء الدولة أو أي اعتداء يكون على الأبنية التي آوتنا هو بمسؤولية رئيس مجلس النواب نبيه بري شخصياً».
من جانبه، رفض المحامي شريف سليمان تسجيل محضر فوري في بئر حسن «لأن المنطقة غير آمنة، لكني أبلغت مدعي عام التمييز فحوّله بدوره الى المعلومات حيث فتح التحقيق. وجرى إبلاغنا بالقبض على اثنين من المعتدين». ويلفت سليمان الى أن «جزءاً من المعتدين علينا أمام مجلس الجنوب هم أنفسهم الذين اعتدوا علينا أيضاً عند اعتصامنا أمام مبنى أوجيرو». ويشير شباب الائتلاف الى أن «ميليشيات الذئاب فاقدي الأخلاق الذين يعتاشون على الزبائنية والولاء الأعمى للزعيم والطائفة لن تردعنا». وهم بصدد إكمال تحركاتهم: من ملف الاتصالات وأوجيرو إلى اجتماع الهيئات الاقتصادية في غرفة التجارة والصناعة، إلى الإدارات المركزية للمصارف والمصرف المركزي والمرفأ والهيئات الرقابية. ويفترض بالفيديوات التي انتشرت ويظهر فيها المعتدون مكشوفي الأوجه وبصورة واضحة أن تكون بمثابة إخبار الى القضاء والأجهزة الأمنية. وهي أول امتحان تخضع له الحكومة، وخصوصاً لوزيري الداخلية محمد فهمي والعدل ماري كلود نجم اللذين اكدا ملاحقة المعتدين. فإما أن يخضعا كما سابقيهما، لحكم «البلطجة» أو يثبتا بالفعل للمواطنين أن بإمكانهم الوثوق بالقوى الأمنية عبر اعتقال الفاعلين ومحرّضيهم، وإحالتهم على القضاء.