صحيح أن الحكومة لم تنل الثقة لتبدأ عملها بعد، وصحيح أيضاً أنه لم يمض أسبوع على تأليفها، إلا أن ما بدأ يظهر إلى العلن من «نواياها» لا يبشّر بالخير. قبل تفاصيل مسودة البيان الوزاري، لا بد من طرح عدد من الأسئلة:لماذا لا تريد الحكومة استرداد مشروع الموازنة من المجلس النيابي وإعادة دراسته وتقديم موازنة مختلفة عن سابقاتها؟
كيف يمكن لحكومة تريد تحقيق إصلاحات في مواجهة مطالب الناس وأزمة البلاد أن تعمل وفق موازنة أعدّتها حكومة تمثل القوى المشكوك في أهليّتها لإدارة الدولة والمسؤولة عن قسم كبير من الخراب؟
كيف يمكن لوزير المالية أن يقرر من تلقاء نفسه أن الموازنة لن تعود الى الحكومة وأن على الحكومة السير بها من دون مراجعة؟ وهل يقبل رئيس الحكومة بالأمر ويتحمّل نتائج موازنة لم يكن له أي علاقة بتحديد أبوابها؟
من قال إن السياسات المالية والنقدية يجب أن تبقى على ما هي عليه؟ وما هي أجندة وزير المال الجديد؟ هل الحفاظ على تسوية لإنقاذ القطاع المصرفي على حساب المالية العامة؟ أم جعل الأبواب مشرعة أمام المؤسسات الدولية لفرض شروطها في مشاريع استدانة لأجل تغطية العجز الناجم عن خدمة الدين العام؟
هذه الأسئلة لا بد منها، في ظل شائعة يجري التداول بها، تتحدّث عن مباحثات بين الإدارات المعنية في الدولة بشأن فكرة تعديل واقع الدين العام، من خلال نقل قسم كبير منه الى الليرة، وإعلان مصرف لبنان عن سعر جديد للدولار يكون مرة ونصف مرة سعره الحالي!
وفي ظل هذه الشائعة وغيرها، عقدت لجنة صياغة البيان الوزاري اجتماعها الأول، أمس، برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب، وعضوية نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينه عكر والوزراء: دميانوس قطار، ناصيف حتي، غازي وزني، راوول نعمة، عماد حب الله، رمزي مشرفية، طلال حواط، ماري كلود نجم، منال عبد الصمد وفارتينيه أوهانيان. الوعد الأول من اللجنة أن البيان لن يكون حبراً على ورق. دياب شدد على الابتعاد عن الجمل الإنشائية والمطوّلات والتعقيدات اللغوية والتفسيرات المتناقضة. كما أكد وجوب ألّا يتضمن البيان وعوداً فضفاضة أو إيحاءً بأن الدنيا بألف خير. أضاف: نحن أمام امتحان اكتساب الثقة الداخلية والخارجية، إذا كانت الناس اعتادت على سماع وعود تبقى من دون تنفيذ، فالبيان سينفّذ هذه المرة». كما أوضحت وزيرة الإعلام أن البيان سيتضمن عرض الحقائق والوقائع، والتعهد بما يمكن تنفيذه فقط.
ومع اتفاق اللجنة على وضع جدول زمني لبرنامج عمل الحكومة، أكدت مصادر مطلعة أن الحكومة ستضمّن بيانها حديثاً عن «خطة طوارئ لخمسة أشهر»، تلتزم فيها بتنفيذ إجراءات تُمهّد لتحويل الاقتصاد من ريعي إلى منتج! علماً بأنه كان لافتاً تضمن المسودة، في هذا السياق، خلاصات من دراسة شركة «ماكنزي» التي تسترشد بها الحكومة في إعداد خطة عملها. وإضافة إلى سعي الحكومة إلى مساعدة المصارف على إعادة رسملتها، فإنها ستدرس ما إذا كان البلد بحاجة إلى اللجوء إلى الخارج في عملية إنقاذ الاقتصاد والمالية، أو لا. ولا يعني هذا أن «سيدر» سيكون خارج خطة الحكومة، كما لا يعني عدم الاسترشاد بتقارير الجهات المانحة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
عملياً، بدأت هذه المؤسسات سريعاً التواصل مع الحكومة الجديدة، فاستقبل دياب وفداً من البنك الدولي برئاسة المدير الإقليمي ساروج كومارجاه في حضور وزير المال غازي وزني، حيث جرى عرض لمجمل القضايا المالية والاقتصادية في لبنان. وكان كومارجاه قد أعرب، بعد لقائه وزير المال، عن «استعداد البنك الدولي لمساعدة لبنان في ظل الظروف المالية». وأكد على أهمية إيجاد «الحلول المناسبة للمشاكل التي تمرّ بها البلاد، ليتمكن لبنان من تجاوز الأزمة الاقتصادية والقيام بالإصلاحات اللازمة لدفع عجلة الاقتصاد».
كذلك، أعلنت وزارة المال أن وزني سيلتقي، اليوم، مسؤول صندوق النقد الدولي سامي جدع. وبمجرد الإعلان عن هذا اللقاء، هوت السندات السيادية للبنان المقوّمة بالدولار بما يصل إلى 2.7 سنت، بالرغم من أن جدع ليس المعني بالتفاوض في قضايا تتعلق بإعادة هيكلة الدين العام أو تقديم البرامج الإنقاذية.
صندوق النقد والبنك الدولي يستطلعان توجّهات الحكومة


وعلى أثر البلبلة التي رافقت الإعلان عن الزيارة، أوضح «مصدر مطلع» لـ«رويترز» أنها «مجرد زيارة ودية لمقابلة الوزير الجديد». وأضاف المصدر «هذه ليست زيارة رسمية للصندوق. هي زيارة ودية من مكتب المدير التنفيذي الذي يمثل لبنان في مجلس الصندوق للقاء الوزير الجديد».
وكانت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد قد رفضت في المؤتمر الصحافي الذي تلا اجتماع اللجنة تحديد موعد لانتهاء مناقشة البيان الوزاري وإقراره. وقالت «لا يزال أمامنا من المهلة القانونية 28 يوماً، لكننا نعمل بسرعة كبيرة، ودون تسرّع، في دراسة المواضيع وإعداد البيان، وبالتالي لا نعدّ أياماً أو ساعات. فنحن نعدّ الدقائق للانتهاء من إعداد البيان في أسرع وقت ممكن، لأن الظروف الخارجية والداخلية ضاغطة والأزمة تتفاقم ونحن نعمل ليلاً ونهاراً حتى نستطيع إنجازه».
وقالت الصمد، رداً على سؤال، «هدفنا أن نضع خطة تستطيع أن تلبّي المطالب، وتستطيع أن تحقق أيضاً أهداف الدولة، وأن تضع خطوطاً عريضة للمبادئ التي نسير عليها، ومن الأكيد أن مجلس النواب سيمنحنا الثقة أو لا، في ضوء المعطيات التي نضعها، فهدفنا قدر الإمكان أن نضع الخطوط الأساسية التي تستطيع أن تنقذنا من هذه الأزمة».