وعليه، ولأن التحقيق في الملفين يحتاج إلى الوقت، راسل المدعي العام لدى الديوان وزيري الاتصالات والمال، في 16/1/2020، فطلب من الأول «التريث في الإجراءات الآيلة إلى وضع مشروع عقد الصيانة مع هيئة أوجيرو لعام 2019 موضع التنفيذ إلى حين صدور التحقيقات، حرصاً على المصلحة العامة وحفاظاً على الأموال العمومية». كما طلب من الثاني التريث في صرف أي مبالغ مالية مرتبطة بالمشروع إلى حينها. وكان لافتاً في الكتاب الموجه إلى وزير المال الطلب منه «أخذ العلم بأن النيابة العامة لدى الديوان فتحت تحقيقاً بالمخالفات المرتكبة من قبل المسؤولين عن هيئة أوجيرو كي يصار إلى وضع حد لها ومعاقبة كل من يثبت أنه كان فاعلاً أو شريكاً أو مقصراً أو متدخلهاً فيها».
وفيما لم يصدر أي موقف عن وزير الاتصالات، أعلن الوزير علي حسن خليل عبر «تويتر» أنه «أوعزنا بوقف صرف أي مبالغ مالية مرتبطة بمشروع عقد الصيانة مع هيئة أوجيرو لعام ٢٠١٩ إلى حين صدور نتيجة التحقيقات التي يجريها ديوان المحاسبة بالملف».
بذلك، يكون قد انتهى المسار الذي بدأ في 19/12/2019، مع موافقة الغرفة السابعة في الديوان برئاسة القاضية زينب حمود، على مشروع العقد في إطار الرقابة المسبقة التي ينفذها الديوان، بالرغم من انتهاء العام وتنفيذ أوجيرو العقد قبل الحصول على موافقة الديوان.
كان الهدف هو إبلاغ وزارتَي الاتصالات والمال بموافقة الديوان قبل نهاية العام، تمهيداً لصرف الأموال لأوجيرو، إلا أن رئيس الديوان القاضي محمد بدران، رفض في 30/12/2019، التوقيع على القرار، طالباً إعادة النظر فيه. وقد أشار في كتابه إلى أن إتمام أعمال الصيانة والتشغيل من دون أي إطار تعاقدي وقبل عرض المعاملة على الرقابة المسبقة للديوان «يشكل مخالفة مالية تستوجب الملاحقة القضائية».
مع عودة الملف إلى الغرفة المعنية، قررت الأخيرة بالأغلبية، أي بموافقة حمود والمستشارة سنا كروم، التأكيد على القرار، فيما سجل القاضي عبد الله القتات مخالفة لرأي الأغلبية وأبدى موافقته على إعادة النظر بالقرار.
وبالرغم من أن القرار قد ثبّت، إلا أن النائب جهاد الصمد عاد وحرك الموضوع، إذ قدم في 2/1/2020 كتاباً إلى المدعي العام لدى الديوان يطلب فيه إعادة النظر بقرار الديوان الموافقة على العقد.
خميس يطلب التريّث في صرف أموال أوجيرو… وخليل يستجيب
وبالفعل، وبعد دراسته للملف، دعا خميس الغرفة المعنية، في 3/1/2020، إلى «اتخاذ القرار المناسب بعدم الموافقة على مشروع العقد المذكور، وذلك حرصاً على المصلحة العامة وحفاظاً على الأموال العمومية». وجاء في مطالعته أنه لا يمكن حفظ حقوق الهيئة و«حقوق الغير» المترتبة من جراء «إجراء رقابة مسبقة بشكل لاحق»، لأن من شأن ذلك تعطيل مفهوم الرقابة المسبقة وغاياتها، كما من شأن ذلك إضفاء صفة الرجعية عليها بشكل يؤدي إلى تعطيل منطق المساءلة والمحاسبة وإيجاد الذرائع للإدارة للتفلّت من الرقابة المسبقة. وذكّر باجتهاد الديوان الذي استقر على عدم الموافقة على عقد النفقة في حال تنفيذها كلياً أو جزئياً قبل عرضها على الرقابة المسبقة للديوان.
لكن مرة جديدة ردت القاضية حمود طلب إعادة النظر، مصرّة على قرارها. وفيما كان يفترض أن يكون قرارها خاتمة الإجراءات الإدارية المتبعة في الديوان (بعد استعمال رئيس الديوان والمدعي العام حقهما في طلب إعادة النظر بالقرار)، لجأ خميس إلى ورقة الرقابة القضائية ليأخذ الملف إلى الدرس المعمق، وليضع أعمال أوجيرو تحت المجهر بشكل أكثر عمقاً من الرقابة الإدارية، تمهيداً لوضع حد للمخالفات المرتكبة ولمعاقبة كل من يثبت تورطه، مدعوماً هذه المرة بتقرير من التفتيش المركزي، لا يصدر عادة إلا بعد استنفاد كل وسائل الاستجواب والتحقيق وإعطاء حق الدفاع للمتهم.