بعدَ القرار الذي أصدرته وزارة الداخلية باتخاذ إجراءات أمنية لحماية المصارف، من خلال وضع عناصر على أبوابها، وتشديد البنوك القيود غير القانونية المفروضة على أموال المودعين، تتّبع المصارف كما السلطة أسلوباً أكثر عدائية تجاه المواطنين الذين باتوا يواجهون صعوبة بالغة في تحصيل أموالهم. وتنسحِب هذه العدائية على مجموعات الحراك التي تحاول مساعدة المودعين لتحرير أموالهم المُحتجزة من دون وجه حق. ولم يكٌن ينقص هؤلاء سوى كلام حاكم مصرف لبنان الأخير في برنامج «صار الوقت» لتمعِن المصارف في تسلّطها، بعدما أعطاها «الحاكِم» صكّ براءة بحديثه أول من أمس عن حقها بعدم تحرير الدولارات للمودعين. وقد تجلّت هذه العدائية بعدد من الشواهد؛ منها تجميد القرار القضائي الذي أصدره قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر والذي يلزم بنك «بيبلوس» فرع النبطية بتحويل فوري لمبلغ محدد الى حساب أحد المودعين في دبي «نظراً إلى وجود أسباب مهمة وجدية تبرّر وقف قرار العجلة الى حين بتّ الاستئناف من خلال قرار نهائي»، قبلَ أن يُصدر الرئيس الأول لمحاكم الاستئناف في النبطية القاضي أسعد جدعون قراراً بوقف تنفيذ القرار. ومن الشواهد أيضاً ادعاء النيابة العامة العسكرية على المتظاهر جهاد إبرو بتهمة «محاولة القتل العمد لضابط في قوى الأمن»، كونه حاول مساعدة أحد المواطنين لتحصيل أمواله من فرع مصرف لبنان والمهجر في حلبا (عكار). وتبع ذلك بيان لقيادة الجيش أعلنت فيه «توقيف المواطن جورج القزي للاشتراك مع آخرين في عملية الاعتداء على مصرف الاعتماد اللبناني في منطقة ذوق مصبح ــــ كسروان بسبب خلع باب المصرف وإحراق صرافه الآلي وتكسير زجاج واجهته الأمامية». كذلك أوقفت قوى الأمن الداخلي أمس شابة أصرّت على الحصول على أموالها المحتجزة في مصرف «فرنسبنك»، واقتادتها إلى مخفر ميناء الحصن، حيث تجمهر عدد من المنتفضين للمطالبة بالإفراج عنها. كما عمد عدد من موظفي بنك عوده في جلّ الديب الى الاعتداء بالضرب على أحد الأشخاص، كما أظهر عدد من الفيديوات التي انتشرت بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وينضم الى هذه الشواهد البيان الذي أصدرته جمعية مصارف لبنان (كإعلان في بعض الصحف) من أجل تلميع صورتها ورفع المسؤولية عنها في ما خص حجز الأموال، اتهمت فيه «البعض بتوجيه السهام الى القطاع المصرفي من خلال حملات تجنّ واتهامات، أقل ما يقال فيها إنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة ويقف وراءها من يحاول استغلال مشاعر وغضب الناس لغايات سياسية أو شخصية». بل وأكثر من ذلك اعتبرت الجمعية في بيانها أن «تعرض عدد من المصارف لبعض الهجمات الممنهجة سببه هذه الحملة وتصوير المصارف أنها هي المسؤولة عن الأزمة»، ما يؤكّد حالة الإنكار التي تعيشها هذه الجمعية وتجاهلها التام لخوف المودعين على أموالهم وحاجتهم لسحبها، فيما الجمعية نفسها هي المسؤولة عن احتجاز هذه الأموال. وبوقاحة بررت الجمعية لنفسها «الإجراءات التي تتخذها أخيراً بحق المودعين وعلى أموالهم»، مشيرة في البيان الى أنها كانت «مكرهة على ذلك بعد تهافت المودعين الى شبابيك المصارف بشكل عشوائي»، متجاهلة أن هذا التهافت سببه الأول قرارها بإقفال أبواب المصارف يوم 18 تشرين الأول الفائت، من دون أي سبب منطقي.