مع مطلع تشرين الأول الماضي، بدأت ورشة أشغالٍ في مبنى المستشفى الميداني العسكري المصري القائم على أرض العقار 1925، العائد لحرج بيروت. كانت تلك آخر الورش لاستكمال تجهيز المستشفى ما قبل الافتتاح، والتي استكملت «بلا حسّ ولا خبر».اليوم، بات كل شيءٍ جاهزاً. العيادات والطاقم الطبي وسيارات الإسعاف. ولم يعد ينقص سوى الافتتاح الرسمي الذي بات قاب قوسين أو أدنى. وهو ما أعلنت عنه جمعية «نحن» في بيانٍ أصدرته، أواخر العام الماضي، مشيرة إلى أنه يجري العمل «بطريقة غير معلنة لإعادة افتتاح المستشفى الميداني المصري في الحرج مع بداية عام 2020، في ظل انشغال اللبنانيين بالانتفاضة الشعبية». وهو أمر لم تنفه أصلاً المصادر في سفارة الجمهورية العربية المصرية في لبنان التي لفتت إلى أن «الطاقم جاهز وكذلك العيادات ويبقى التنسيق مع الجانب اللبناني لتحديد موعد الافتتاح».
إذاً، بات الأمر واقعاً. المستشفى الميداني العسكري المصري سيُفتتح قريباً، بانتظار «الساعة الصفر» التي سيحددها الجانب اللبناني. لم يعد في الأمر لبس. فما ينتظره المستشفى، اليوم، من الجانب اللبناني هو تحديد الوقت المناسب للبدء بالعمل. هذا الأمر بالذات هو ما يثير الاستغراب حول تغاضي «الجانب اللبناني» عن هذه المخالفة القائمة على أرض حرج بيروت، والتي صارت اليوم ثابتة بقانونٍ صدر تحت الرقم 131 منتصف العام الماضي، لحماية العقار 1925 الذي يضم ما تبقّى من حرج بيروت، وإعادة تصحيح الواقع الذي فرضته الحرب اللبنانية وقوى الأمر الواقع.
خمس موادّ قانونية هي كل ما صيغ لـ«حماية حرج بيروت». في المادة الأولى منه، حرص المشرّع على «حماية» ما تبقّى من مساحة حرج بيروت، من خلال تسمية ما يحدّه من الجوانب كافة. ما يعني عملياً أن أي خرق لتلك المساحة يعني أن هناك مخالفة للقانون. أما بيت القصيد فيأتي في مادته الثالثة التي اعتبر المشرّع فيها أن «الإنشاءات القائمة على أرض حرج بيروت أو على الأجزاء المقتطعة من العقار 1925/المزرعة، مهما كان نوعها هي إنشاءات مؤقتة مخالفة للقانون تستوجب الإزالة، وعلى المجلس البلدي لمدينة بيروت وضع خطة لهذه الغاية تتضمن مدة زمنية محددة لتنفيذ أحكام هذه المادة».
هذا ما نصّ عليه القانون وما صار واقعاً «اعتباراً من تاريخ صدوره». ما يعني عملياً أن «كل الإنشاءات القائمة في العقار على اختلاف أنواعها وأياً كانت مادة بنائها (…) أكانت تحت الأرض أو فوقها هي مخالفة». أكثر من ذلك، لم يترك القانون ثغرة لتسوية ما بات أمراً واقعاً، عندما حظّر «إجراء أي تسوية مهما كان نوعها على الإنشاءات والأبنية القائمة أصلاً على العقار من منطقة المزرعة العقارية».
مع ذلك، «نأى» المجلس البلدي لمدينة بيروت بنفسه عن الأمر، وترك الأشغال تسير في المستشفى الميداني ببركة «التوصية من رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري»، حسبما ينقل رئيس جمعية «نحن»، محمد أيوب، عن رئيس بلدية المدينة، جمال عيتاني. هكذا، بتوصية «من فوق» - لا يعرف فيها إلا عيتاني بحسب بعض أعضاء المجلس البلدي - أكمل المستشفى المبنى ويستعد للافتتاح، ضارباً بعرض الحائط القانون الصادر قبل أشهرٍ قليلة، كما كتب سابقة في تاريخ المؤسسة العسكرية اللبنانية وثلاث وزارات أساسية، هي البيئة والصحة العامة والدفاع الوطني، التي تُجمع على رفض إقامة المستشفى «كونه غير حائز على التراخيص اللازمة لإنشاء المستشفيات» ولانتفاء حاجة لبنان إلى وجود هكذا مستشفى «لا يشكل أي فائدة، إلى جانب الثغرات العديدة التي يتركها عمله في لبنان لعدم وجود رقابة مباشرة عليه»، بحسب كتاب المؤسسة العسكرية الموجّه إلى وزارة الخارجية والمغتربين عام 2014.
يسجل الافتتاح سابقة في تاريخ الجيش والوزارات المعنية التي تُجمع على رفضه


كل ذلك، لم يمنع بلدية بيروت من إعطاء الإذن لاستثمار جزء من العقار 1925، ولا يزال هذا السماح سارياً حتى اليوم، ولم تحرّك البلدية إزاءه ساكناً. لكن، ماذا بالنسبة إلى القانون الجديد الذي يرمي الكرة في ملعب المجلس البلدي لناحية وضع جدول زمني لتصفية الإنشاءات القائمة على أرض العقار 1925؟ إلى الآن، وبعد ثمانية أشهرٍ من دخول القانون حيز التنفيذ، لا يبدو أن المجلس «متحمّس» لحماية الحرج، إذ أنه إلى الآن «لم يبتّ على طاولة المجلس في أي شيء له علاقة بموضوع المخالفات ولا الجداول الزمنية»، على ما يقول أحد الأعضاء. هذا التأخير في تطبيق القانون إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على «سوء النية». أما عكس ذلك، فكان «الحريّ بالمجلس العمل على توقيف المنشأة العسكرية المصرية التزاماً بسقف القانون». وهو ما لم يحدث. ولن يحدث ربّما.