في سياق خارج عن الأصول الإجرائية ومخالف للنُّظم العقابية، يحاول البعض إسباغ صفة مصالح الدولة العليا من أجل إسقاط سيادة الدولة وهدر استقلالية السلطة القضائية، لولوج أطر قانونية مخالفة من أجل تسليم العميل عامر الفاخوري إلى السلطات الأميركية، إذ تشير المعلومات إلى وجود مساعٍ لإبرام صفقة بين الولايات المتحدة الأميركية والدولة اللبنانية، موضوعها تبادل مواطنين يحمل كلاهما الجنسية اللبنانية، ما سيشكل سابقة في تنازل دولة عن أحد أهم عناصر سيادتها.وإذا كانت هذه الصفقة قد تتّخذ من تسليم المجرمين سبيلاً لها فإن المذهب الأميركي في نظرية تسليم المجرمين لا يقبل التسليم إلاّ إذا سبقته معاهدة، وهو أمر غير متوافر بين الدولة اللبنانية والولايات المتحدة.

(مروان بوحيدر)

وعلى سبيل الجدل القانوني فإن تخطي هذه العقبة سيصطدم بعائق أصعب في ظل عدم توافر شروط تسليم المجرمين في هذه الحالة، في ظل مبدأ عدم تسليم الدولة لرعاياها. ولا يسقط هذا المبدأ إذا كان الشخص محلّ طلب التسليم يحمل جنسية الدولتين الطالبة للتسليم والمطلوب منها ذلك، إذ اتفق الفقهاء على أنّ جنسية الدولة المطلوب منها التسليم هي التي يعتدّ بها، باعتباره موجوداً في إقليمها، وما دامت تأخذ بمبدأ عدم تسليم رعاياها.
وفي جميع الأحوال، فإن تسليم المجرمين كمؤسسة قانونية، نشأت بفعل الحاجة إلى مكافحة الجريمة التي باتت تهدد كيان المجتمعات ولا سيما مصالحها، والحد من إفلات المجرمين من العقاب، إذ يقول بيكاريا إن «من أنجح الوسائل لمنع الجريمة التيقّن من عدم وجود مكان يمكن أن يفلت منه من العقاب». فكيف يمكن استعمال هذه الوسيلة لتكريس إفلات أحد المجرمين من العقاب؟
هذا بالإضافة إلى الصعوبات الناشئة عن طبيعة الجرم المتمثّل بالخيانة والتعدي على أمن الدولة الداخلي والخارجي، والذي لا يمكن لدولة ذات سيادة أن تقبل أن يتنازل نظامها القضائي عن ملاحقة هذه الجرائم الصادرة عن أحد مواطنيها لمصلحة دولة معادية غير معترف بها من جهة، وفي حالة حرب واحتلال من جهة أخرى؟
أما السبيل الثاني، الذي يقترحه رواد تلك الصفقة فهو العفو الخاص. ومن المعلوم أن العفو الخاص هو إجراء يتخذه رئيس الدولة بعد استطلاع رأي لجنة العفو، لمصلحة من حُكِمَ بصورة مبرمة، لإعفائه شخصيًا من العقوبة كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخرى أخفّ (م 152 عقوبات).
ولا ينال العفو الخاص مَن لم يكن قد صدر عليه حكم مبرم، فيشترط انبرام الحكم لصدور العفو الخاص.
ومن المعلوم أن شروط العفو الخاص غير متوافرة في هذه الحالة في ظل عدم صدور حكم مبرم عن الجرائم المنسوبة إلى المدّعى عليه الفاخوري، على اعتبار أن الأفعال الجرمية المنسوبة إليه لا تقتصر على تلك الواردة في خلاصة الحكم الغيابي الصادر في حقه في عام ١٩٩٦ والذي قضى بإنزال عقوبة الأشغال الشاقّة في حقه لمدة ١٥ سنة بعد إدانته بجرم المادة ٢٨٧ عقوبات.
بالإضافة إلى كل ما تقدم فإن القبول باسترداد أحد المحكومين في الولايات المتحدة الأميركية والقبول بحكم الإدانة الصادر عن القضاء الأميركي كأساس للملاحقة أمام القضاء اللبناني، سيعني قبولاً بمفهوم الإرهاب المعمول به في الولايات المتحدة الأميركية، ما سيترك تداعيات سلبية على حالات مماثلة.

* أستاذ في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية