من المُفترض أن يتبلّغ اللبنانيون، قريباً، خفض سعر الدواء بين 25 و30 في المئة. هذا ما بشّر وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال جميل جبق، أول من أمس، لافتاً إلى أنه تم تسعير الدواء بحسب سعر بلد المنشأ. وأضاف أن الوزراء السابقين كانوا يعملون على الأسعار «استنسابياً (...) نحن ألغينا هذا الواقع وألغينا احتكار الدواء في لبنان، وقمنا بآلية تسعير حديثة».تبلغ كلفة سوق الدواء اللبناني نحو مليار و800 مليون دولار، 900 مليون دولار منها للأدوية التي تُباع في الصيدليات، «فيما تعود الكلفة المتبقية للأدوية الموزعة على مراكز الجيش والمُستشفيات ومراكز توزيع الدواء وغيرها»، وفق نقيب الصيادلة في لبنان غسان الأمين، الذي أوضح أن خفض سعر الأدوية يطال «غالبية الأدوية التي لا تُباع في الصيدليات، وهي المرتبطة بالأمراض المُستعصية والسرطانية وغيرها من الأدوية الباهظة الثمن».
يعني ذلك أن خفض كلفة الدواء سيطال الأدوية التي توزّع أساساً في المراكز، والتي لا يدفع ثمنها المواطن مباشرة (سواء عبر مراكز توزيع الدواء التابعة لوزارة الصحة التي تُقدّم مجاناً لغير المضمونين أو تلك التي تغطيها الجهات الضامنة التي تغطي أكثر من 90% منها، وغيرها). بكلام آخر، قد لا يشعر المواطن بخفض سعر الأدوية بشكل مُباشر، «لأنّ الأدوية التجارية التي تباع في الصيدليات سبق أن خُفّضت أسعارها بشكل كبير»، بحسب الأمين الذي أكّد أن الصيادلة لن يتأثروا بهذا القرار.
ومعلوم أن آلية تسعير الأدوية تخضع للقانون 367 (قانون مزاولة مهن الصيادلة) التي توجب توافر شهادتي نوعية الدواء وسعره في بلد المنشأ ويتم على أساسهما تسعير الدواء. ووفق رئيس هيئة «الصحة حق وكرامة» النائب السابق إسماعيل سكرية، فإنّ هذا القانون لم يكن يُطبّق، «إذ كان هناك تعمّد بعدم الالتزام بآلية التسعير والاستناد إلى سعر بلد المنشأ»، لافتاً إلى أن خطوة الوزير تقضي بتطبيق القانون الموجود، وهي تخالف التوجه السابق.
يطرح ذلك تساؤلات حول مدى دقة الحديث عن «المشروع الكبير الذي يعمل عليه جبق منذ 5 أشهر، وهو آلية تسعير الدواء»، وعن «قانون تسعير الدواء الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الدولة». فهل يختلف هذا القانون عن القوانين والنظم الموجودة أصلاً؟ وما هي مواد هذا القانون؟ ومن تقدّم به، ومتى؟ وما هي تفاصيل هذا المشروع الذي لم يُعلن عنه؟ «الأخبار» حاولت التواصل مع مكتب الوزير جبق للوقوف على هذه التفاصيل، لكنها لم تلقَ تجاوباً.
نقيب الصيادلة: تخفيض سعر الأدوية يطال غالبية الأدوية التي لا تُباع في الصيدليات


الجدير ذكره أن تحديد آلية التسعير يختلف عن إجراء إعادة التسعير الدوري الذي يعتمده وزراء الصحة منذ سنوات، والذي يقضي بخفض سعر الدواء تلقائياً بعد فترة (بعد أربع أو خمس سنوات) في حال انخفاض سعره في بلد المنشأ. وعليه، يغدو إجراء إعادة تسعير الدواء بسبب انخفاضه في دول المنشأ، إجراءً «عادياً»، غير مرتبط بكسر الاحتكارات، فيما الإجراء الأبرز المرتبط بكسر احتكارات الدواء يتمثّل في السعي إلى الاستيراد من دولة لدولة من دون وساطة الشركات الخاصة، وهو ما لم يدفع باتجاهه جبق، علماً بأن هذا الإجراء من شأنه أن يحقق وفراً يُقدّر بنحو 200 مليون دولار على الأقل، وفق سكرية. إلى ذلك، ثمة ما يُعرف بمؤشر الأسعار الذي تحصل عليه الوزارة من المصرف المركزي كل ثلاثة أشهر، وتتم مراجعة أسعار الأدوية وفق المؤشر المرتبط بقيمة العملات المعتمدة في بلد المنشأ. وبحسب سكرية، «في كل مرة كانت ترتفع قيمة العملات مثلاً، كانت أسعار الأدوية ترتفع، فيما لم تكن أسعار الأدوية تنخفض مع تراجع قيمة العملات».
في المُحصّلة، فإنّ التفريق بين مؤشر الأسعار وإجراء إعادة التسعير وقانون آلية التسعير المنصوص عليه في القانون 367، يعدّ ضرورياً لسؤال الوزير عن تفاصيل الآلية التي أشار إليها، قبل تقديم «البُشرى» إلى الشعب.



أزمة الأدوية والمُستلزمات الطبية مُستمرة
يوم الثلاثاء الماضي، علّق تجمع تجار ومُستوردي المعدّات والمُستلزمات الطبية الإضراب الذي كان مُقرراً، أول من أمس، أمام مصرف لبنان احتجاجاً على رفض شمولهم بتعميم استيراد الأدوية والقمح والمُشتقات النفطية (الذي يقضي بتأمين 85% من الاعتمادات بالدولار على أن يؤمّن التجار والمستوردون الـ15% المتبقية من السوق). سبب التراجع عن الإضراب «هو قبول التجار بتعميم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي قضى بتأمين نصف الاعتمادات بالدولار، على أن يؤمن التجار والمُستوردون البقية من السوق»، بحسب عضو نقابة مُستوردي وتجار المُستلزمات والأدوات الطبية شوقي عطوي. الأخير أوضح أن الأزمة، رغم ذلك، مستمرة بسبب امتناع عدد من المصارف عن تنفيذ التعميم من جهة، وبسبب القيود المفروضة على السحب والتحويل، «فكيف سيتمكّن التجار من تأمين الاعتمادات وهم غير قادرين على السحب؟».
الأمر نفسه ينطبق على قطاع الأدوية أيضاً. وبحسب نقيب صيادلة لبنان غسان الأمين، فإنّ مستوردي الأدوية لا يزالون رهينة استنسابية المصارف و«رغبتها» في تنفيذ التعميم الصادر عن حاكم مصرف لبنان، محذّراً من «تفاقم الوضع الذي سيؤدي إلى انقطاع مزيد من الأدوية».