باتَ صعباً التكهّن بالمستقبل الذي تتجه البلاد نحوه. حسمَ رئيس الوزراء المُستقيل سعد الحريري قراره بعدم ترؤس حكومة جديدة، فيما لم يحدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد موعداً للاستشارات النيابية المُلزمة، وسطَ المخاطر الأمنية المرتفعة التي تجلّت في الاشتباكات المتنقلة، والاعتداءات، بين بيروت وبعلبك وصور والشمال. لكن الأخطر هو مظاهر الانهيار المالي - النقدي - الاقتصادي الذي بدأ منذ ما قبل انتفاضة 17 تشرين الأول، وتعود جذوره إلى سنوات خلت. القلق من تعمّق الأزمة السياسية، يوازي القلق من الارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار الذي وصل أمس في السوق الموازية إلى 2300 ليرة، وعجز الناس عن سحب أموالهم من المصارف. لا مؤشر حتى الآن على استقرار سعر الصرف في ظل استقالة مصرف لبنان من دوره، إذ يتعامل على قاعدة أنه معني حصراً بالسعر الرسمي بينه وبين المصارف. وليسَ مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة وحدهما من يتصرفان وكأنهما غير معنيين بكل ما يحصل. رئيس الحكومة سعد الحريري أخرج «مصادره» أمس لترّد على تساؤل رئيس مجلس النواب نبيه بري عن عدم اجتماع الحكومة لتسيير أمور البلاد، فقالت المصادر إن «الحكومة تقوم بواجباتها». تصريح يؤكد أن الحريري يعيش في كوكب آخر. فحكومته من قبل الاستقالة وانطلاق الحراك، لم تقُم بأي إجراء جدّي لمواجهة انهيار سعر صرف الليرة، والذي نتجت عنه أزمتا المحروقات والخبز وغيرهما. ومع أن لا أفق حتى الآن يبشّر بقرب ولادة الحكومة الجديدة، لا يجِد الحريري نفسه معنيّاً بالمبادرة والدعوة إلى عقد أي لقاء أو اجتماع للبحث عن حل للكارثة النقدية. والسؤال الكبير الذي يضجّ الآن هو كيف ستُكمل البلاد، فيما يزداد الوضع سوءاً، ويزداد معه فقدان ثقة اللبنانيين ليس بالمصارِف والسلطة فحسب، وإنما بمفهوم الدولة ككلّ. فوقَ ذلك كلّه، تستمر القوى السياسية التي تتفاوض من أجل تشكيل حكومة في سياسة الإنكار والتجاهل واستخدام الأدوات القديمة التي تعود إلى زمن ما قبل بداية ظهور مؤشرات الانهيار، فتتصرف وكأن لا وجود لحراك شعبي في الشارع، ولا وجود لأزمة اقتصادية - مالية - نقدية. لا تزال هذه القوى تتبع الآليات ذاتها التي كانت تعتمدها سابقاً في تأليف الحكومات، فتبحث عن غطاء سني من هنا، وتحذّر من فيتو شيعي هناك، وتحفّظ مسيحي من جهة أخرى، من دون محاولة جدية للبحث عن حلول تُخرج البلد من أزمته المستفحلة. وليس أدلّ على سياسة «استخدام أدوات ما قبل الأزمة» مما قاله رئيس مجلس النواب أمس، عن أن الوضع الاقتصادي قابل للتحسن بمجرد وجود حكومة. هذه السياسة تتجاهل أن أزمة تراجع التحويلات تعود إلى عام 2011، ولم يساعد في حلها لا تأليف حكومات ولا إنجاز موازنات ولا انتخاب رئيس للجمهورية. ففقدان الثقة يرتبط أولاً ببنية الاقتصاد اللبناني.
تراجعت حظوظ الخطيب كما حظوظ أي اسم آخر من المرشّحين

وبعدَ يومين من مشاهد الاعتداءات والمناوشات المتنقلة، عادت إلى الواجهة أمس أزمة المحروقات مع إعلان نقابة أصحاب محطات المحروقات الإضراب المفتوح بدءاً من اليوم، ما أدى إلى ازدحام المحطات بعدما سارع المواطنون إلى تعبئة خزانات سياراتهم بالوقود. وبرّرت النقابة إضرابها بأنه يعود «الى حجم الخسائر المتمادية التي لحقت بالقطاع، نتيجة وجود دولارين في السوق اللبنانية وعدم التزام طرفي الاتفاق، مصرف لبنان والشركات المستوردة للمشتقات النفطية، بما قال به الاتفاق، فكان أصحاب محطات المحروقات من اولى الضحايا». بينما قررت جمعية المصارف تعليق إضرابها، معلنة أيام الخميس والجمعة والسبت أيام عمل عادية، وذلك لتأمين الخدمات المصرفية للمواطنين، وخصوصاً قبض الرواتب والأجور مع حلول نهاية الشهر. وأكدت الجمعية، في بيان، ضرورة الخروج من حالة عدم الاستقرار الراهنة عبر تشكيل حكومة تعيد الثقة إلى البلاد وتتفرّغ فوراً لمعالجة الملف الاقتصادي والمالي والمعيشي.
حكومياً، وبعد التداول باسم المهندس سمير الخطيب (المدير العام لشركة «خطيب وعلمي») باعتباره الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة، تراجعت يومَ أمس حظوظ الرجل كما حظوظ أي اسم آخر من المرشحين المحتملين الذين يشترطون الحصول على دعم علني من الحريري كما من رؤساء الحكومة السابقين ودار الفتوى وهذا ما لم يتوافر حتى الآن. وأكدت مصادر سياسية أن «الأمور لا تزال في دائرة المراوحة»، خصوصاً أن «الحريري الذي أعلن انسحابه من سباق التكليف لا يزال غير متعاون، إذ لم يظهر أي نية لتغطية أي مرشح، كما لم يؤكّد مشاركته في الحكومة من عدمها، وهذا ما دفع رئيس الجمهورية الى تأجيل موعد الإستشارات».

جمعية المصارف تعلن تعليق إضرابها


أما على المستوى الأمني، وبعد حالة الفلتان التي اجتاحت المناطق في الأيام الماضية، وتحديداً على خط عين الرمانة - الشياح، حصل تنسيق بين حزب الله وحركة أمل من جهة، ومخابرات الجيش من جهة أخرى لمعالجة موضوع مسيرات الدراجات النارية التي جابت شوارع العاصمة يوم الإثنين مطلقة عبارات طائفية. وجرى البحث في ضرورة اتخاذ اجراءات لمنع تكرار هذا المشهد. فيما عقد اجتماع أمني أول من أمس في مكتب قائد الجيش العماد جوزف عون في اليرزة، حضره كل من مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. وتناول الاجتماع الأوضاع في البلاد في ضوء التطورات الأمنية التي تشهدها الساحة اللبنانية. وأصدر المجتمعون بياناً أكدوا فيه «احترام حرية التظاهر في الساحات العامة، مع التحذير من مغبة التعرض للممتلكات العامة والخاصة وقطع الطرقات الذي يقيد حرية التنقل».