عادَت إلى البلاد مشهدية 8 و14 آذار. مصير الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري ثبّتت ذلك. على الأقل، شكّلت علامة على إحياء الانقسام بروحيّة عام 2005. ما حصل، لا يقتصِر على كونه مجرّد مُقاطعة من كتل نيابية أو منع وصول نواب الى ساحة النجمة. بل في أنها المرة الأولى، منذ التسوية الرئاسية، التي يجتمع فيها حلفاء المشروع الأميركي في لبنان (بمعزل عن خلافاتهم) حول هدف موحّد، محاولين فرض واقِع سياسي جديد. أصبحت المواجهة علنية. حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر مع حلفائهم، في مقابل فريق 14 آذار (المستقبل والقوات وآخرين بالمفرق)، إضافة الى طرفين (النائب السابق وليد جنبلاط وقائد الجيش) كانا يحاولان الإيحاء بأنهما يقفان في الوسط. قبل أن يتضح، عملياً أمس، أنهما جزءٌ من 14 آذار، وتنضمّ إليهما ــــ كتحصيل حاصل ــــ قوى الأمن الداخلي.

(مروان طحطح)

من الواضح أن هناك من قرّر أن ينسحِب الفراغ على كامل المؤسسات. هكذا واكبت قوى 14 آذار الانتفاضة الشعبية، لتؤمّن جوّاً سياسياً يدعم ما يطلبه الأميركي ودول الغرب باستهداف المقاومة وحلفائها عبر إرباكهم في الداخل، وتحقيق «انقلاب ديموقراطي» يُطيح نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة بهدف تغيير الموازين. أولاً، باستقالة الرئيس سعد الحريري من الحكومة ووقوفه في وجه أي مخرج لتأليف حكومة جديدة. وثانياً، مشاركة القوات والاشتراكي بلعبة الشارع عبر قطع الطرقات (بشكل غير منظّم) لفرض حكومة «تكنوقراط»، وهو الثمن الذي يأمل الحصول عليه أعداء المقاومة في الخارِج ــــ أي إخراج حزب الله من الحكومة وإبعاده عن السلطة ــــ بلا حاجة الى تدخّل مباشر.
ولئن كان سير القوات في هذا الاتجاه من المُسلّمات، فهل يُمكن أن يوصَف خيار جنبلاط بلحظة ضعف هي من «لحظات تخلّي» البيك؟ موقِف القوات والاشتراكي، أمس، بعدم حضور الجلسة يفسّر بجلاء خطة شلّ للمؤسسات، بدءاً من مجلس الوزراء، وصولاً الى مجلس النواب وبعبدا، والتماهي المُطلق مع المواجهة الجديدة. أما الحريري، فقد صار واضحاً، للقاصي والداني، أنه شريك في هذا الانقلاب. مع ذلك، فإن الرئيس برّي الذي سبق له أن حذّر من الوقوع في الفراغ السياسي ــــ ولا يزال يعتبر أن هناك من يسعى إليه ــــ قال أمام زواره تعليقاً على ما حصل أمس «إن الكُتل النيابية، وفت بما وعدت به، على صعيد الحضور الى المجلس النيابي، ولا سيما للمشاركة في جلسة انتخاب اللجان النيابية (باستثناء القوات والاشتراكي اللذين أعلنا موقفيهما)، إلا أنه مع الأسف حال قطع الطرقات دون وصول النواب لأن هناك جهات أخرى نكثت بما وعدت به، ورب ضارة نافعة».
جنبلاط وضع نفسه رسميّاً في مواجهة 8 آذار في الشارع


فيما رفضت مصادر سياسية بارزة في قوى 8 آذار حصر المشكل هنا، أكدت «أننا أمام مرحلة جديدة في السياسة»، معتبرة أن «الحريري كان قد قرّر منذ اللحظة الأولى عدم المشاركة من دون أن يعلن ذلك. وهي الخديعة نفسها التي اعتمدها حين أعطى القوى السياسية 72 ساعة للموافقة على الورقة الإصلاحية، علماً بأنه كان قد اتخذ قراراً حاسماً بالاستقالة». وفيما تعتبر المصادر أن «جنبلاط وضع نفسه رسمياً في مواجهة 8 آذار في الشارع»، رأت أنه «لم يكُن عابراً الأسلوب الذي تصرفت وفقه المؤسسات الأمنية، التي لم تستطع فتح مسرب واحد لدخول النواب الى ساحة النجمة، علماً بأنها كانت قد تعهدت بذلك، لكنها عادت وأمّنت خروج من استطاع الوصول منهم». وقالت المصادر إنه في وسط الأحداث التي طبعت نهار أمس «وصلَ الجواب الى قيادة الجيش بأن الرسالة وصلت»، متسائلة «عمّا إذا كان التعامل مع قطع الطرقات هو خنوع لطرف ما أو تنفيذاً لتوجيه ما»، ولا سيما أن قائد الجيش جوزيف عون أكد منذ يومين أن «الجيش لن يسمح بإقفال الطرقات، وسيحفظ في الوقت عينه أمن المتظاهرين».
وعلى ما يبدو، بحسب مصادر نيابية، «يستسيغ قائد الجيش تجربة الرئيس السابق ميشال سليمان. فهل يسير (العماد جوزف) عون في الطريق ذاته مع تدخلات أميركية كثيرة تتجلّى في تساهله مع قطع الطرق، وصولاً إلى نكثه بكلامه الذي أكد فيه قبلَ ثمانٍ وأربعين ساعة من الجلسة رفض قطع الطرقات؟».
بحسب 8 آذار، التدخّل الأميركي إلى جانب فريق 14 آذار واضح، وخصوصاً أن التهويل بقطع المُساعدات عن الجيش في حال عدم الانصياع لا ينفَصِل عن الضغوط التي تتعرّض لها قوى أخرى عمِلت على إسقاط الحكومة وعرقلة الجلسة بعدم نزولها، وصولاً إلى التهرّب من تأليف الحكومة، وهذا ما يفعله الرئيس الحريري المُستمر في المناورة لتعطيل التأليف.