هي «ميني انتفاضة» دعا إليها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في مسقط رأسه، لأنّ «قضاء زغرتا لم يعد يحتمل. صحتنا كما بيئتنا بخطر. لذا ندعو أهلنا وناسنا إلى الوقوف معنا لأنّنا اتخذنا القرار بحلّ الموضوع سريعاً. وعلى الدولة أن تقف على الحياد كما هي الحال مع مطالب الناس وحراك الشارع ولن نتهاون... كونوا جاهزين ومستعدين في الساعات والأيام المقبلة لحماية صحتكم وأرضكم وبيئتكم وصون كرامتكم». اللهجة التصعيدية التي اختارها فرنجية، تأتي مواكبةً لعودة أزمة النفايات إلى قضاء زغرتا، وكانت بدايتها في شهر أيار، غداة إقفال مكبّ عدوي (يقع في قضاء الضنية) الذي كان يستوعب نفايات أقضية زغرتا وبشرّي والكورة والمنية والضنية. ومن حينه، لم يتمّ الاتفاق على حلّ بديل، لعدم قبول أي منطقة استقبال نفايات منطقة أخرى.وجد فرنجية أنّ الوضع في المنطقة لم يعد يحتمل، ولا سيّما مع توجيه سِهام عدّة باتجاه اتحاد البلديات وبلدية عاصمة القضاء المحسوبين عليه وإلقاء اللوم عليهما بعدم تحمّل مسؤولية الأزمة. قرّر أمس إطلاق النفير، بعدما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة للساحة التي تُنظّم فيها احتفالات «إهدنيات»، جُمعت فيها النفايات. رئيس بلدية زغرتا ــــ إهدن أنطونيو فرنجية، يقول إنّ الساحة هي مُجرّد محطة، تُجمع فيها النفايات قبل نقلها بشاحنات إلى المطامر. ولكنّ موجة من الهلع انتشرت بين الأهالي، مع اقتراب موسم الشتاء والثلوج، وخطورة امتزاجها مع النفايات. كانت تلك النقطة الفاصلة لـ«هبّة» فرنجية. ما هو القرار الذي اتُّخذ؟ «لن نعيش مع النفايات. وجدنا حلّاً منطقياً، غير مُضرّ بالبيئة وسنفرضه في حال رفضه»، يقول تيار المردة. كلام فرنجية أتى بعد تنسيقٍ مع القوى الأمنية والعسكرية لمواكبة نقل النفايات من الشارع إلى مكبّ بشنين (قضاء زغرتا، على الحدود مع الكورة). تمّت «العملية» مساء البارحة، من دون أن تخلو من إشكالات بين الأهالي. انتشرت روايتان لـ«الخبرية». الأولى مصدرها مناصرون لحركة الاستقلال، مفادها أنّ تيار المردة عمد إلى نقل النفايات «بالقوة». وأمام اعتراض الأهالي دخول الشاحنات، «بدأ إطلاق النار». تيار المردة ينفي هذه الرواية، «لم يحصل أكثر من مناوشات لفظية بين أنصار الحزبين. مشكلة حركة الاستقلال الأساسية أنّ الحلّ تقدّم به فرنجية وليس النائب ميشال معوض».
تكدّس النفايات في شوارع زغرتا، وهي بالمناسبة جزء من أزمة النفايات في كلّ البلد، بدأت في أيار الماضي بعدما قرّر صاحب مطمر عدوي إقفاله، بعد تراكم مستحقاته في ذمة البلديات (قرابة 700 مليون ليرة)، مع عدم قدرة الأخيرة على الدفع بسبب احتجاز عائدات البلديات من الصندوق البلدي المستقل في وزارة المال. ثمّ رُفضت كلّ الاقتراحات التي تقدّم بها، وهي إنشاء مطامر في الفوار (زغرتا)، وتربل (المنية)، وإحدى الكسارات القديمة بين زغرتا ومزيارة، وبشنين، والأرض قرب دير بكفتين في الكورة... حُلّت الأزمة «جزئياً» في أيلول الماضي، حين أُزيلت النفايات من إهدن قبل حفل زفاف النائب طوني فرنجية. مع عودة الأهالي من إهدن إلى «مشتاهم» زغرتا، عادت النفايات لتتكدّس أمام المنازل وعلى الطرقات، إلى حدّ لم يعد يُطاق. يوم الاثنين الماضي، نُظّمت «مسيرة الكمامات» في المدينة (وهي أكثر بلدات القضاء تضرراً من الأزمة)، انطلقت من باحة كنيسة مار يوحنّا المعمدان، مروراً بدوّار قصر الرئيس الراحل سليمان فرنجية، وصولاً إلى مبنى بلدية زغرتا ــــ إهدن في السرايا. ارتفع هتاف «الفساد الفساد جوّا جوّا البلديات». فبحسب أحد أعضاء البلدية المستقيلين، الأزمة قديمة «وسببها الممارسات الخاطئة في إدارتها. الفساد يبدأ من البلدية».
سينطلق في كانون الأول العمل على معمل فرز النفايات في بلدة مجدليا

لا ينفي العضو وجود مسؤولية تتحملها وزارة البيئة، لكنّه يُذكّر «بعرض مؤسسة رينيه معوض، عام 2016، إنشاء معمل لفرز النفايات ومعالجتها، رفضته البلدية لأسباب سياسية». بعد ذلك، بدأت تتفاقم الأزمة، «مع تأجيل تطبيق الحلول الممكنة، وصولاً إلى اليوم، حيث بدأت تنتشر في الشارع أخبارٌ عن وجود نية لاستقدام محرقة. سنوات من التقاعس، لنفاجأ اليوم بهذا التصريح من فرنجية». وكان معوض قد تحدّث بعد تغريدة رئيس تيار المردة، مؤكداً «أننا جاهزون في كلّ لحظة لمواكبة أهلنا في ​زغرتا الزاوية​، كما فعلنا دائماً حين عرقل البعض، ممّن يدّعي البطولات، المشاريع كافة التي أتينا بها لحلّ مستدام ​لأزمة النفايات​ في قضائنا».
إلا أنّ تيار المردة ينفي هذا الكلام: «غير صحيح أنّ مؤسسة معوض عرضت إنشاء معمل فرز في الـ 2016، بل المشروع كان لتنظيف نهر رشعين وتدريب السكان على فرز النفايات. يومها، كان الاتحاد قد أطلق مشروع الفرز، لذلك وافقنا على تنظيف النهر». النفي يطال أيضاً استقدام محرقة، فالحلّ الذي سيبدأ العمل عليه في 20 كانون الأول، هو «معمل الفرز الثانوي وتوضيب النفايات، سيُنشأ على قطعة أرض في بلدة مجدليا»، بحسب رئيس بلدية زغرتا ــــ إهدن أنطونيو فرنجية. المعمل لم ينل، حتى الساعة، التراخيص المطلوبة من وزارة البيئة أو يحصل على التمويل اللازم «البالغ قرابة الـ 3 مليارات ليرة بالسنة». كما أنّ النفايات التي تُنتجها زغرتا، وهي 150 طناً تقريباً، لن تكون كافية لتشغيله، «لأنّه على الأقل بحاجة إلى 300 طن». هو عملياً حلّ نظري، من دون أدوات تطبيقية؟ يقول أنطونيو فرنجية إنّه «حتى كانون الأول، سنعلم ما هي الأقضية التي ستنضمّ إليه، كما أنّه سيكون خيار الأمر الواقع أمام الدولة، لنقول لها إن لدينا معملاً يُمكن تشغيله لحلّ المشكلة».