نحو ثلاث ساعات، وقفت عفيفة القنواتي وسط الطريق عند تقاطع إيليا في صيدا. كادت بعض السيارات أن تدهسها، لكنها لم تأبه ولم تتعب. مع غيرها من المعتصمين والمعتصمات، عادت أمس إلى التقاطع، خارقين هدنة الثماني والأربعين ساعة التي منحها الحراك للسلطة لكي تنفذ شيئاً من مطالبه. لم ترضهم وعود رئيس الجمهورية ميشال عون التي لا تزال برأيهم حبراً على ورق. عادوا لكي لا يقال إن «صيدا أكلت الكف وامتثلت لترهيب العسكر ولململت اعتصامها الذي كان مفتوحاً لأسبوعين». لم يكن من بينهم مناصر للرئيس سعد الحريري ممن صادروا التقاطع أول من أمس، احتجاجاً على استقالته. استعاد أهل الحراك ساحتهم. ذلك مبرر البعض للنزول مجدداً إلى الشارع «سلميّة وخبز وثورة وحرية». لكن القنواتي كانت من فئة الرافضين للخروج من الأساس. نالت شهادة في الدراسات العليا في أكثر من اختصاص منذ سنوات، ولم تفلح في الفوز بفرصة عمل لأسباب تتعلق بالأعراف اللبنانية كحجابها أو طائفتها أو انتمائها السياسي. أصرت على استئناف الاعتصام وقطع الطريق كصرخة متجددة بوجه ذلك النظام. لم تلبّ طلب رفاقها والقوى الأمنية والجيش بأن تزيح من أمام السيارات. وبعد ثلاث ساعات، حضر ابن شقيقها، وهو من عناصر الشرطة القضائية، محاولاً إقناعها بالخروج من الشارع. بكيا في مشهد مؤثر، ثم اصطحبها إلى حديقة منتصف الطريق التي تحولت إلى مقر الاعتصام الجديد.رفاقُها حاولوا قطع الطريق فجوبهوا بقمع لافت من قِبل جنود الجيش وعناصر الاستخبارات، ما أدى إلى سقوط جرحى، منهم خمسة نقلوا إلى المستشفى. وكان المعتصمون قد جابوا شوارع المدينة في تظاهرة حاشدة رافعين ما وصفوه بأطول علم لبناني. مصادر هيئة حراك صيدا لفتت إلى نية المعتصمين إحياء اعتصام إيليا المفتوح الذي أقفل حركة السير من جهاته كافة. وكان بارزاً عناد المعتصمات في استئناف الاعتصام، برغم العنف الذي تعرّضن له من القوى الأمنية، من الضرب إلى مصادرة هواتف بعضهن.
حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، تمكن المعتصمون من قطع الطريق وبرز حجم العناصر المنتشرة في محيط التجمع في الحديقة المقابلة لعدد من فروع المصارف التي شهدت أمس زحمة مودعين بعد أسبوعين من الإقفال.
وإزاء قمع أمس، أصدرت الهيئة بياناً استغربت فيه «التصرف الاستفزازي والخشن للقوى الأمنية التي أطبقت على المعتصمين واعتدت عليهم بوحشية، ما أدى الى سقوط 5 إصابات في صفوف المتظاهرين السلميين». وأكدت «استمرار تحركاتنا السلمية وعلى حقنا الذي كفله الدستور في التظاهر والاعتصام والتعبير عن الرأي».