لم تكن ورقة الرئيس سعد الحريري كافية لخروج المحتجين من الشارع، إلا أن السقف العالي لدى هؤلاء لا يزال غير خاضع لأي نقاش عند أركان السلطة الذين لا يزالون يتجاهلون حجم الأزمة وخطورتها، ويتصرفون من منطلق أنها «أزمة وتعدّي». ورغم ان المتظاهرين لم يتقدموا خطوات جديدة، راقب الجميع حجم المشاركة في التجمعات صباح أمس، وسط تراجع ملحوظ في أعداد المشاركين. إلا أن الساحات في بيروت وطرابلس وصيدا وصور ومناطق جونية عادت لتعج بالآلاف بعد الظهر وساعات المساء، وسط قطع لبعض الطرقات عمل الجيش على فتح عدد منها من دون مواجهات. علماً ان الجيش ابلغ مجموعات الناشطين انه سيعمل من صباح اليوم على منع اغلاق الطرق، إلا أنه لن يفتحها بالقوة، ولن يتدخل في حركة الناس نحو اي ساحة.وفي وقت بدأت مساعي مجموعات من الناشطين لتكوين فرق بغية تنسيق الاحتجاجات، كان لافتاً التحرك باتجاه مصرف لبنان، والحملة المباشرة على حاكمه رياض سلامة واتهامه بالمسؤولية عن الانهيار المالي والنقدي والمطالبة باستقالته. كما كان لافتاً ان غالبية وسائل الاعلام المرئية امتنعت عن تغطية هذا التحرك، ما عدا تغطية عابرة في بعضها. علماً أن غالبية وسائل الاعلام المرئية حصلت في العامين الماضيين على قروض مالية كبيرة وفّرها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نفسه، اضافة الى تقديمات اخرى بحجة دعم الانتاج الفني اللبناني. كما حرص سلامة على ألا تخرج الى العلن فضيحة القروض المتعثرة لمحطة mtv لمصلحة اكثر من مصرف، أحدها تخضع ادارته لسلطة سلامة نفسه.
وفي جديد الانقسام داخل فريق السلطة، برز ملف التغيير الوزاري، وسط استمرار الرفض لحكومة تكنوقراط، بذريعة «صعوبة اعادة تشكيل حكومة جديدة، وتأثير سقوطها على سعر صرف الليرة وضرب الإستقرار. إذ أن البلاد بوجود حكومة وضعها سيء، فكيف إذا دخلت بالفراغ؟».
كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله واضحاً حين قال: «نحن نحترم هذه التظاهرات ونراها مُحقة». ولا يزال الحزب ينطلق من هذا العنوان للإشارة إلى أن «الإصلاحات التي سبق أن طالب بها ما كانت لتتحقق لولا ضغط الحراك». وبحسب مطلعين على أجواء الحزب «لا مشكلة في تواجد الناس في الساحات، والحزب ليسَ معنياً بالمطالبة بخروجهم». ويقول مطلعون إن «الحزب يرى في الورقة الإصلاحية تقدماً مهماً، وخاصة لجهة زيادة الضريبة على المصارف وخفض العجز من دون التعرّض لذوي الدخل المحدود والمتوسط. لكن الأهم تنفيذ الورقة الإصلاحية في أسرع وقت، وأن ترسل الى مجلس النواب لإقرار القوانين بسرعة أيضاً». وبحسب المعلومات، ثمة اتصالات بين الحزب ورئيس مجلس النواب نبيه بري في هذا الشأن، يتولاها وزير المال علي حسن خليل. هذا الجو لا يعني أن الحزب «نايم على حرير». إذ أن هناك محاذير يدركها تماماً وتتمثّل في «تدخل بعض القوى في الشارع لحرف مسار التحركات وتحميله المسؤولية»، لكنه مرتاح حتى الآن كون «الغالبية في الشارع لم تستجِب لهذه الشعارات التي تدفع اليها قوى سياسية معروفة».
بدوره كرّر برّي أمام زواره أمس أن «الأهم هو جوّ الحراك الذي لم يكُن طائفياً ولا مناطقياً، بل عبّر عن كل لبنان»، وأن «هذا الجوّ كان في الإمكان الإستفادة منه لجهة طرح المسائل الأكثر أهمية، لا سيما في موضوع الدولة المدنية وقانون الإنتخابات». وعن الورقة الإقتصادية قال برّي إنها «مهمّة والعبرة في التنفيذ السريع، خصوصاً أن الحكومة وضعت لنفسها مواعيد محددة، وعليها أن تلتزِم بها». ورأى رئيس مجلس النواب أن «الخطوة الإيجابية الوحيدة التي حصلت في موازاة مقرّرات الحكومة، هي إرسال الموازنة الى المجلس النيابي ضمن المهلة الدستورية، وقد أبقيت على أبواب المجلِس مفتوحة حتى السابعة من مساء الإثنين، وسأطلب الإسراع في مناقشتها، خصوصاً أنها أسهل من الموازنة السابقة على أن تُنجز سريعاً». أما في ما يتعلّق بالبنود «الإصلاحية» الأخرى التي تحتاج الى قوانين «فهذا أمر عرضه وزير المال مع رئيس الحكومة، والمجلس على استعداد لاقرارها في وقت سريع، إذ إن احالتها الى المجلس لا تتطلب وقتاً لأن المشاريع جاهزة ولا ينقصها سوى توقيع مرسوم احالتها». وعن استقالة وزراء القوات قال برّي «لو استُشرِت بالأمر قبلَ حصوله لنصحت بعدمها. أما وقد حصلت فأميل الى التريث في حسم الموضوع، وإعطاء فرصة لربمّا تطرأ بعض الظروف التي تدفع القوات الى إعادة النظر».
بري: للتريث في حسم استقالة القوات فربما يطرأ ما يعيدهم!


رئيس الحكومة، من جهته، حظي أمس بدعم عربي ودولي، إذ التقى سفراء دول عدة منها الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، أكدوا دعم الحكومة واستمرارها. ولفتت مصادره إلى أن كل المعلومات التي تتحدث عن اتجاهه نحو استقالة «غير صحيح»، وأن ضغط الشارع «لا يزعجه حتى الآن»، وهو مقتنع كما بقية القوى المشاركة في الحكومة حول هذه النقطة. علماً أنه في اليومين الماضيين جرى البحث في نقطتين أساسيتين: إما الإستقالة واعادة تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري، إو إجراء تعديل وزاري جزئي يطال وزراء أساسيين من الصف الأول، قبل العودة عنهما، والتمسك بخيار الذهاب إلى «تنفيذ فوري للورقة الإصلاحية». وقالت مصادر مطلعة إن «رئيس الجمهورية كان قد طرح استقالة 4 وزراء مسلمين بعد استقالة 4 وزراء مسيحيين للقوات، أو الذهاب الى حكومة من 16 عشر وزيراً» لكن اقتراحه رُفض من قبل رئيسي الحكومة والمجلس وحزب الله.
تبقى العين على الساحة المسيحية، وما يجري عليها في ضوء الانقسام الحاد الذي تعيشه، بعد قرار القوات اللبنانية الاستقالة من الحكومة والنزول إلى الشارع. هذا الأمر دفع بالعهد الى وضع خط دفاع خطورته بأنه ينزلق نحو شعار «الشارع بالشارع». بحسب المعلومات يدرس العونيون إطلاق «ثورة مضادة» داعمة لرئيس الجمهورية، وقد بدأت طلائعها مع «الميني» تحرّك الذي قام به مؤيدون للتيار في منطقة الحدث. أما على الصعيد السياسي، فلفتت مصادر الى أن بكركي باتت الوجهة، إذ يتم التواصل معها لطلب التدخل والدعم، من قبل العهد ومن قبل معارضيه، وهو ما دفع البطريرك الراعي الى توجيه الدعوة لعقد «اجتماع طارىء لمجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان وبمشاركة المطارنة الأورثوذكس يوم الأربعاء للبحث في الأوضاع التي باتت على حافة الإنفجار».