في 20 حزيران 2018، قال رئيس هيئة أوجيرو عماد كريدية لصحيفة «النهار» إنه يقود مؤسسة تقدم إلى الدولة بين 500 و600 مليون دولار سنوياً، «وإذا كان راتبي لقاء ذلك 15 مليون ليرة فهم يدعونني حينها إلى السرقة». وفي 30 أيلول 2019، أصدرت هيئة الاستشارات والتشريع استشارة أشارت فيها إلى أن المبلغ الأقصى الذي يمكن أن يتقاضاه رئيس - مدير عام هيئة أوجيرو هو 84 مليون ليرة سنوياً، أي ما يعادل 7 ملايين ليرة شهرياً.بناء عليه، كيف سيتصرّف كريدية مع هذه الاستشارة، التي تشكّل بحسب منطقه السابق، دعوة مضاعفة للسرقة؟ هل سيتقبّل فكرة أن يقبض 7 ملايين ليرة شهرياً، هو الذي سبق أن أعلن أن راتبه الحالي هو 48 مليوناً و549 ألف ليرة قبل حسم الضريبة (يضاف إليه سنوياً شهران إضافيان وأربعة أشهر منحة إنتاج)؟
الاستشارة أتت بناء على طلب مباشر من كريدية، الذي أراد أن يعرف كيفية احتساب نسبة 75 في المئة من مجموع الرواتب الأساسية في السنة كتعويض أعمال إضافية، على مجلس إدارة الهيئة المؤلف من رئيس وعضوين إضافة إلى عدد من الموظفين.
على أهمية الاستشارة للفترة المقبلة، وبغض النظر عما إذا كان سيتم الالتزام بمضمونها أم لا (كونها غير ملزمة)، فإنها تضيء على إشكالية سبق أن تناولتها «الأخبار» في مقال نشر في 4 تموز 2018، حمل عنوان «هدية الجراح: 600 مليون ليرة لموظف» وتتعلق براتب كريدية المضخّم.
تشير الاستشارة إلى ما حرفيته: «إن التعويضات الشهرية لرئيس مدير عام أوجيرو تم تحديدها بموجب المرسوم رقم 3157 تاريخ 5/6/2000، بمبلغ أربعة ملايين ليرة لبنانية في حين أن تعويضات عضو الهيئة حُدّدت بمليوني ليرة». كما تؤكد أن قيمة هذه التعويضات، المحددة بمرسوم، لا يمكن أن تعدّل إلا بموجب مرسوم عملاً بقاعدة الموازاة في الصيغ.
هذا أمر، وإن كان بديهياً قانوناً، إلا أنه لم يكن كذلك في أوجيرو أو وزارة الاتصالات. فرئيس أوجيرو سبق أن أعلن أنه يعتمد، لتحديد راتبه، على قرار صادر عن الوزير السابق للاتصالات جمال الجراح، بتاريخ 17/2/2017 ويحمل الرقم 648/أ/و، حدد بموجبه أساس راتبه الشهري بتسعة ملايين ليرة، إضافة إلى تكليفه بـ200 ساعة عمل شهرية إضافية.
تلك كانت فضيحة أكبر من أن تتغاضى عنها الهيئات الرقابية، لكنها مرّت بسلام، وبقي مدير عام أجيرو يتقاضى راتبه على أساس راتب أساسي غير قانوني، حدده قرار وزاري خلافاً لمرسوم حكومي ساري المفعول.
بالنسبة لرئيس أجيرو، القرار الوزاري ما زال مطبقاً، خاصة أن القضاء لم يصدر قراره في هذا الصدد (القضية مطروحة أمام القضاء المالي). وعليه، يؤكد كريدية لـ«الأخبار» أنه بدأ بتطبيق قانون الموازنة بالفعل، والاستشارة التي طلبها تتعلق ببعض الحالات التي تحتاج إلى توضيح. أما في ما يتعلق براتبه، فيقول إنه يطبق القانون على أساس الراتب المقرر من قبل الوزير، أي ٩ ملايين ليرة، يضاف إليها الدرجات الأربع التي حصل عليها بموجب قانون سلسلة الرتب والرواتب، بما يجعل مجموع راتبه الأساسي 11 مليوناً و788 مليون ليرة. وبالتالي، يضيف، فإن تطبيق قانون الموازنة يلزمه بأن لا يزيد تعويضاته الإضافية عن 75 في المئة من المبلغ المذكور.
الاستشارة القانونية لم تتعامل مع قرار الوزير بوصفه موجوداً. وتطبيق هذا المبدأ على راتب كريدية، منذ توليه مهامه في أوجيرو، يقود إلى مرحلتين، الأولى هي مرحلة ما قبل إقرار سلسلة الرتب والرواتب، والثانية هي مرحلة ما بعد إقرارها، وحتى إقرار موازنة 2019.
في المرحلة الأولى، كان يفترض أن يكون راتبه 6 ملايين و388 ألف ليرة (4 ملايين ليرة راتباً أساسياً حسب مرسوم عام 2000 + 200 ألف ليرة حسب مرسوم غلاء المعيشة عام 2008 + 299 ألف ليرة حسب مرسوم غلاء المعيشة عام 2012 + مليون و889 ألف ليرة بدل اختصاص، تشكل 42 في المئة من الراتب الاساسي).
أما في المرحلة الثانية، أي ابتداءً من أيلول 2017، فكان يفترض أن يرتفع الراتب نحو 31% (أربع درجات) ليصل مع إضافة بدل الاختصاص إلى 8.1 مليون ليرة من دون احتساب ساعات العمل الإضافية (200 ساعة بحسب قرار للجراح).
لكن ما حصل أن كريدية حصل في المرحلة الأولى على 12.4 مليون ليرة بدلاً من 6.388 مليون ليرة، ما جعل مقبوضاته الإجمالية تصل إلى 36.9 مليون ليرة (قيمة الساعات الإضافية 24 مليون ليرة) بدلاً من 18.4 مليون ليرة، وفي المرحلة الثانية حصل على 16.8 مليون ليرة بدلاً من 8.1 مليون ليرة، ما يجعل مقبوضاته الإجمالية، قبل اقتطاع الضرائب، تصل إلى 48.5 مليون ليرة بدلاً من 24.1 مليون ليرة.
الجرّاح خالف القانون برفع الراتب الأساسي لكريدية إلى 9 ملايين ليرة


بعدما أثبتت هيئة الاستشارات والتشريع التفاوت الهائل بين راتب كريدية الحالي والراتب الذي يفترض أن يتقاضاه، هل يتحرك القضاء هذه المرة، خاصة أن ملف راتب كريدية معروض أمام القضاء المالي منذ أكثر من سنة ولم يبت به؟
بحسب المعلومات، اتصل الوزير السابق نقولا تويني (الذي يشغل اليوم وظيفة مستشار لرئيس الجمهورية) بالنائب العام المالي علي ابراهيم، وسأله أين أصبحت التحقيقات بموضوع راتب كريدية، خصوصاً أنه كان قد تقدم بإخبار بشأنه. فأجابه النائب العام المالي أنه استدعى مدير أوجيرو وحقق معه بالموضوع وتبين له أن كل ما يذكر في وسائل الإعلام بهذا الشأن صحيح، وأن كريدية يقبض مبالغ خيالية. لكنه قال أيضاً إنه مغطى بقرار من الوزير الجراح.
بذلك، تكون العدالة مرة جديدة قد انتهت إلى دائرة مفرغة عنوانها أن القضاء لا يمكنه أن يحاسب الوزير، هو الذي لا يمكنه إلزامه على تقديم إفادته حتى. لكن هل يعني ذلك عدم تصحيح خطأ قانوني كانت له مفاعيل سلبية على المال العام؟
بالنسبة للنائب جهاد الصمد، الموضوع أبعد من ذلك، هو يصفه بالسرقة الموصوفة (قدّر ما يتقاضاه كريدية سنوياً ب1.013 مليار ليرة)، ولذلك طالب مجدداً «المراجع القضائية المختصة ولاسيما النيابة العامة التمييزية والنيابة العامة المالية والنيابة العامة لدى ديوان المحاسبة بوضع يدها على هذا الملف للعمل من جهة على استرجاع المبالغ التي قبضها مدير عام رئيس هيئة أوجيرو خلافا للقانون، وخلافا لمضمون الاستشارة، عن سنوات 2017، 2018، 2019، ومن جهة أخرى ملاحقة المسؤولين عن هذه الجريمة الموصوفة بحق المال العام سواء رئيس مدير هيئة اوجيرو أو كل من سهل له وشارك معه وتواطأ معه ومارس جرم صرف النفوذ لتغطية هذا الافلاس».