أبرز الملفات التي تنتظر مجلس الوزراء هو ملف مناقصة محطات الغاز. التقرير صار بين أيدي أعضاء اللجنة الوزارية المختصة. من حيث المبدأ، فقد قدمت قطر بتروليوم السعر الأفضل. لكن قبل اختيار الفائز، سيكون على مجلس الوزراء أن يجيب عن سؤال: هل نريد بناء المحطات الثلاث عبر شركة واحدة أم أكثر؟ بحسب الإجابة، يمكن أن يتغير اسم الفائز. لكن المعركة لن تكون هنا. الأهم هو اتخاذ القرار بشأن استبعاد محطة سلعاتا، التي لا لزوم لها، من عدمه. المعادلة بسيطة: إما توفير ملياري دولار أو المحافظة على القسمة الطائفية.مرّ قطوع الخلافات السياسية التي جمّدت مجلس الوزراء لأربعين يوماً، وعادت عجلة الاجتماعات الحكومية إلى الانتظام. هل هذا يعني أن ملف مناقصة محطات الغاز (FSRU) سيتحرك؟ أو بشكل أدق، هل صحيح أن هذا الملف كان له الفضل في تعجيل الحل، ربطاً بما يحمله من ملايين ومليارات؟ لا شيء مؤكد سوى أن نتيجة المناقصة صارت ملك رئاسة الحكومة. وجل ما حصل منذ ذلك الحين هو توزيع نسخة من التقرير الذي أرسل إليها من قبل وزارة الطاقة، على أعضاء اللجنة المعنية، لكن مكتوباً بحرف صغير «لا يُقرأ»، وباللغة الإنكليزية (يتردد وجود أكثر من نسخة عن التقرير تتضمن نتائج مختلفة، لكن لم يتم التأكد من الأمر).
وإذ لم يحدد بعد موعد انعقاد اللجنة، وهو لن يحدد قبل الأسبوع المقبل، فقد صار محسوماً أن صلاحية المناقصة ستنتهي مجدداً، بعدما سبق أن مددتها «الطاقة» من 20 أيار حتى 20 آب، وبالتالي ستكون الوزارة مضطرة إلى تمديدها مجدداً (انتهت صلاحيتها في 20 أيار ومددت ثلاثة أشهر).
لم يُقدّم أي عرض مستقل لبناء محطة سلعاتا


بذلك، يكون قد انقضى ثمانية أشهر على إعداد الاستشاري العالمي «Poten & Partners» تقريره بشأن النتيجة الفنية للمناقصة، من دون أي تقدم يذكر، باستثناء قيام وزارة الطاقة، في 2 تموز الماضي، أي بعد سبعة أشهر من صدور التقرير الفني، بفض العروض المالية للشركات الست التي شاركت في المناقصة.
حينها لم يُعلن عن اسم صاحب العرض الأفضل، انطلاقاً من أن النتيجة بحاجة إلى تحليل، ولا سيما أن دفتر الشروط يسمح للشركات بتنويع عروضها، بما يشمل محطة واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، أو حتى التقدم إلى الخيارات السابقة كلها، مع إمكانية تقديم اقتراحات بديلة لتمديد أنابيب الغاز. بالنتيجة صدر التقرير النهائي، متضمناً كل الخيارات المطروحة لمحطات تحويل الغاز المسال المستورد بواسطة الناقلات البحرية إلى غاز يمكن استخدامه لتوليد الطاقة، التي حُدّدت لها ثلاثة أماكن، هي: البداوي، سلعاتا والزهراني.
وقد تبين على الأثر أن السعر الأفضل المقدم لإنشاء المحطات الثلاث معاً، هو عرض تحالف قطر بتروليوم (الشركة الوطنية القطرية للنفط) وإيني (شركة إيطالية عضو في التحالف الذي وقّعت معه الدولة اللبنانية عقداً لاستخراج الغاز)، إذ بلغت قيمة العرض 13.512 مليار دولار على عشر سنوات (سعر مبيع الغاز للدولة اللبنانية خلال عشر سنوات، شاملاً كلفة إنشاء المحطات)، يليها تحالف «توتال (عضو في التحالف العامل على استخراج الغاز في لبنان)، هوغ (Hoegh) وكيلها شركة pesco لصاحبها نديم صيقلي ودبانة غروب»، وعرضها بلغت قيمته 13.885 مليار دولار، فتحالف «بي دبليو BW (شركة ماليزية تشغّل محطة غاز في مصر)، فيتول Vitol (شركة مورّدة للغاز ويمثلها روني راشد في لبنان) بوتاك Butec (يملكها نزار يونس)، المباني (يملكها النائب نعمة طعمة)، روز نفط Roseneft (شركة روسية لتوريد الغاز المسال)» الذي قدم عرضاً بقيمة 13.940 مليار دولار.
هذا يعني عملياً أنه في حال قررت الحكومة السير بتلزيم المحطات الثلاث لتحالف واحد، فإن تحالف قطر «بتروليوم» و«إيني» سيكون الفائز بالعقد. أما إذا ارتأت الحكومة، وهو ما يتردد، أن لا مصلحة لها بتسليم أمنها الطاقوي إلى شركة واحدة، تتحكم بتدفق هذه المادة الاستراتيجية، فعندها سيُنظر إلى النتائج من منظار مختلف.


في ترتيب أسعار العروض، كان المعيار المعتمد من قبل الوزارة هو إنشاء المحطات الثلاث معاً. ومن ثم ترتيب أسعار العروض بما يلبي هذا الهدف، بغض النظر عن عدد الشركات. ولهذا فإذا تقدمت شركة لإنشاء إحدى المحطات لا يحتسب عرضها مستقلاً، بل يدمج مع عرض آخر أو اثنين، ويؤخذ السعر الإجمالي لإنشاء المحطات الثلاث. لكن بحسب العروض المقدمة، يتضح أنه ليس بالإمكان تلزيم إنشاء كل محطة لتحالف، إذ لم يتقدم أي من التحالفات بعرض لإنشاء محطة سلعاتا بشكل مستقل، بينما تقدم كل من تحالف «توتال» و«هوغ» و«زي أر للطاقة»، وتحالف «بي دبليو» و«فيتول» و«بوتاك» بعرض لإنشاء محطتين في البداوي وسلعاتا، إلا أن عرض «توتال» لم يُقبل فنياً لعدم تضمنه خط غاز إلى الزوق، على ما تؤكد مصادر مطلعة. وبالتالي لم يبق سوى عرض «بي دبليو» وحلفائها لإنشاء المحطتين الشماليتين. في المقابل، وبعدما كانت كل الشركات قد قدمت عروضها لإنشاء محطة البداوي منفردة، فإن «بي دبليو» وحلفاءها وتحالف «اكسيليريت» (شركة أميركية متخصصة بمحطات التغويز)، شل Shell (شركة أوروبية موردة للغاز)، «بي بي انرجي» (لآل بساتنة وهم أصحاب شركة أيبكو لتوزيع المحروقات) كانا الوحيدين اللذين تقدّما بعرض لإنشاء محطة الزهراني. وعليه، فإن تحالف «بي دبليو» سيفوز بعقد إنشاء محطتي البداوي وسلعاتا، فيما ستفوز «بتروناس» بعقد إنشاء محطة الزهراني، إذ إن مجموع عرضي التحالفين هو 13.995 مليار دولار (في المرتبة الرابعة من بين كل العروض، وفي المرتبة الأولى في حال استبعاد خيار إنشاء كل المحطات من قبل تحالف واحد)، فيما بلغ مجموع عرضي «بي دبليو» وحلفائها و«اكسيليريت» وحلفائها 14.030 مليار دولار، علماً بأن «بتروناس» كانت الوحيدة التي قدمت عرضين لكل محطة، واحد يلتزم بالمسار الموضوع من قبل وزارة الطاقة للأنانيب (خطوط سكة الحديد) وآخر يقترح مساراً بديلاً لها (عبر البحر)، وكذلك الأمر بالنسبة الى محطة الزهراني، حيث تسير الأنابيب إلى معملي الجية وصور عبر البحر والبر. في تلك الحالة تصبح القيمة الإجمالية للعقد 14.048 مليار دولار، علماً بأن هذا الخيار قد وضع لمواجهة احتمال وجود عقبات تعيق تمديد الأنابيب على خط سكة الحديد.
1.3 مليار دولار الكلفة السنوية للغاز عبر البواخر


ثمة احتمال آخر لم يتضمنه تقرير وزارة الطاقة، لأنه يحتاج إلى قرار سياسي. على مجلس الوزراء أن يقرر، إما السير بإنشاء ثلاث محطات، كما سبق أن قرر، فيكون بذلك مراعياً التوزيع الطائفي ــــ المناطقي للمحطات، ومخالفاً لآراء أصحاب الاختصاص، الذين يؤكدون أن وجود محطتين لا تبعد إحداهما عن الأخرى أكثر من 18 كلم (البداوي وسلعاتا) هو ضرب من الجنون. وإما التخلي عن خيار سلعاتا، وتوفير كلفة إضافية تقدر بنحو 200 مليون دولار سنوياً، أي ما مجموعه ملياري دولار خلال فترة العقد (من دون تغيير كمية الغاز التي تشتريها الدولة). وإذ يأتي هذا الخيار مصاحباً لأزمة مالية حادة يمر بها البلد، فإن إنشاء المحطة قبل إنشاء معمل سلعاتا للكهرباء، سيكون غير مبرر أيضاً، لأن تصريف الغاز من المحطة سيكون محصوراً بمعمل الزوق، الذي يمكن تغذيته من البداوي وبكلفة تكاد تكون صفر بالمقارنة مع سعر بناء محطة سلعاتا والأنبوب الذي يصلها بالزوق. ويُضاف إلى ما سبق أن كلفة إنشاء محطة سلعاتا هي الأكبر بالمقارنة مع المحطات الأخرى (نظراً الى عدم وجود أي بنية تحتية جاهزة لاستقبال بواخر الغاز). وهذه نقطة لافتة في التقرير، الذي لا يُفصّل كلفة إنشاء وتجهيز كل محطة، كما لا يشير إلى سعر المليون BTU (وحدة قياس الغاز) في كل عرض، فطريقة مقارنة الأسعار مبنية على جمع العروض، بما يؤدي إلى إنشاء المحطات الثلاث معاً. كذلك، فإن استبعاد محطة سلعاتا سيعني تلقائياً توسيع المنافسة بين الشركات، انطلاقاً من أن عدم وجود أي عرض مستقل لإنشاء ذلك المعمل، أدى تلقائياً إلى الأخذ بالعرض الوحيد المقبول لبناء محطتي البداوي وسلعاتا معاً. وهذا الخيار اتخذ بغض النظر عما إذا كانت كلفة بناء معمل البداوي على حدة أكبر أو أقل من العروض الخمسة التي قدمت لإنشائه ولم يؤخذ بها ولم يكشف عن قيمتها.