كلتا مشكلتي الشويفات والبساتين، بفارق سنة، تسببتا في صراع درزي - درزي بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان. كلاهما قارَب كلاً من المشكلتين على نحو مناقض تماماً للآخر، لكن لهدف مشترك: تصفية الحسابات السياسية بلغة دموية.مع ان ما حدث ليس المرة الاولى يشتبك انصار الفريقين بعضهم مع بعض، او يتصاعد النزاع بين رجلين ينتمي كل منهما الى خيار اقليمي معاد للآخر وتحالفات محلية متنافرة، الا انها اكثر المرات وضعتهما قبالة دم درزي - درزي في الشارع، من غير ان يكونا لوحدهما في الصدام. وراء كل منهما اصطف حلفاؤهما كجزء لا يتجزأ من المشكلة والتباين حيال الداخل اللبناني، لكن على نحو مباشر وحاد ايضاً حيال الحرب في سوريا والموقف من رئيسها بشار الاسد. اذذاك اضحى من الطبيعي ان يجد جنبلاط ملاذاً آمناً في الرئيس نبيه برّي، وارسلان ملاذه المماثل ايضاً في حزب الله.
من غير ان يكون اي فريق مسيحي معني بما يجري بين المختارة وخلدة، وكذلك الرئيس سعد الحريري، ظهر واضحاً ان ثنائي حزب الله وحركة أمل، كطرف غير مباشر، معني بتصعيد التسعير الدرزي - الدرزي كما بإطفائه ومنع تمدده.
عُزيت حادثة الشويفات الى تداعيات الانتخابات النيابية في ايار 2018 التي اتاحت نشوء توازن قوى في عاليه والشوف غير مسبوق منذ انتخابات 1992. بقوة المنافسة دخل التيار الوطني الحر في مواجهة مع جنبلاط الذي اعتاد على الودائع في دائرتي عاليه والشوف منذ عام 1992. ابان الحقبة السورية ارضى دمشق بتسهيل انتخاب بعض حلفائها. ثم في انتخابات 2005 و2009، بارادته، وافق على ودائع جديدة - عاداها قبل ذلك الوقت - في الشوف وعاليه لحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب. في انتخابات 2018 انقلب المشهد رأساً على عقب، مع دخول حزب رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل الى عاليه والشوف بأربعة نواب يوازون تقريباً ثلث مقاعد الدائرتين. في جانب آخر من النزاع، لاحق لما حدث في الشويفات، بيد انه غير بعيد من دوافع حادثة البساتين، مقايضة اجراها جنبلاط مع الرئيس ميشال عون تولاها وسيط صديق للطرفين في مرحلة قطيعة ما بين الرجلين منذ انتخابات ايار: تخلي جنبلاط عن المطالبة بالمقعد الدرزي الثالث في حكومة الحريري في مقابل وعد بتسميته هو رئيس الاركان في الجيش في ما بعد. سلّم الى الرئيس لائحة من اسماء محتملة للتوزير لا تنتمي اليه ولا الى ارسلان، بيد ان عون اختار، في حصته، الوزير الدرزي الثالث ارسلانياً، ما اغضب جنبلاط الذي ربح الشق الثاني من المقايضة.
اتت حادثة الشويفات نتيجة «طبيعية» لنزاع درزي - درزي معلن، ونزاع درزي ـ مسيحي مضمر واجهته باسيل والتيار الوطني الحر، بعدما انتفخ حجماهما اكثر مما اعتادت عليه المعادلة الداخلية المستقرة منذ عام 1992. يفسّر ذلك ما حدث في 30 حزيران: كلام باسيل في الكحالة وسوق الغرب، وجولته في قرى قضاء عاليه، انتهاء بقبرشمون وما حدث في البساتين. بدأت المشكلة سياسية درزية - مسيحية استمراراً لتداعيات انتخابات 2018، الا انها انتهت تحت وطأة الاحتقان المؤجل منذ ايار 2018 في الشويفات درزية - درزية. هي اليوم كذلك، بهذا الوجه الى حد بعيد. لم يعد باسيل طرفاً سياسياً فيها، وأضحى المطلوب معالجتها امنياً وقضائياً بعدما نزل انصار ارسلان الى الشارع وقطعوا الطرق، وحظي بدعم مفتوح من حزب الله، رداً على تفلت انصار جنبلاط في الشارع ايضاً في البساتين وقبرشمون وقرى اخرى في قضاء عاليه. مسلحو الطرفين اطلقوا النار، وتبادلوا اسقاط الضحايا، زائداً اتهامات سياسية مرتبطة مرة بالتأكيد واخرى بالنفي استهداف موكب وزير المقعد الدرزي الثالث صالح الغريب لاغتياله.
في اليومين المنصرمين اطلق جنبلاط مبادرة اقرب الى مناورة محرجة للخصم جزمت سلفاً برد فعله السلبي. في معرض الدفاع عن النفس يهاجم. ما لم يتمكن من الحصول عليه في الوساطة التي دارت ما بين شباط وايار المنصرمين، وهو تسليم امين السوقي المتهم بقتل علاء ابوفراج في الشويفات في 8 ايار 2018، الفار، نفسه الى القضاء اللبناني، نجح جنبلاط في اقتراح ادماج هذا المطلب بحادثة البساتين كي يحال الملفان، في واحد، الى المجلس العدلي. شأن ما رفض ارسلان الخوض قبلاً والآن في التحقيق في حادثة الشويفات واعتباره اياها منسية ومنهية منذ سهّل فرار السوقي الى سوريا، بادله جنبلاط الرفض بالاحجام عن الموافقة على احالة حادثة البساتين الى المجلس العدلي، نازعاً عنها اي طابع سياسي كي تصبح مشابهة لحادثة الشويفات التي لم تعدُ كونها اشتباكاً لم ينطوِ على «جريمة سياسية». اصطف حلفاؤهما وراءهما وشُل مجلس الوزراء. وضعت مبادرة زعيم المختارة على الطاولة خياراً واحداً يساهم بدوره في اعادة احياء مجلس الوزراء واستعادة اجتماعاته وتوافقه بلا تصويت: حادثتا الشويفات والبساتين معاً الى المجلس العدلي او معاً الى الجوارير. يتيح الاحتمال الاول مصالحة الرجلين، والثاني وضع قليل من الرماد على النار غير المطفأة وتأجيل الاشتباك التالي.
من دون توصلهما الى حل، جنبلاط وارسلان متهمان بإيواء فارين


بذلك اضحت الحادثتان متلازمتين تماماً في التصعيد كما في الحل.
رغم انقضاء تسعة اشهر على حصولها واستمرار فرار المتهم الى سوريا، استعجل ارسلان ايجاد حل لـ«عقدة» السوقي، من الواضح انها تمثّل احراجاً له، رافضاً تسليمه الى القضاء. في شباط المنصرم طلب، عبر وسيط، اسقاط الحق الشخصي عن المتهم في مقابل تعويض مالي والذهاب الى مصالحة درزية - درزية. رفض جنبلاط العرض، قبل ان تتطور الوساطة وتنجح في حمله على ارسال وزيريه اكرم شهيب ووائل بوفاعور، في 7 ايار 2019، الى رئيس الجمهورية مزودين كتاب اسقاط الحق الشخصي. سرعان ما اعادت حادثة البساتين الرجلين الى النقطة الصفر.
بعدما رفض ارسلان احالة حادثة البساتين على المحكمة العسكرية، ثم رفض مبادرة جنبلاط تلازمها مع حادثة الشويفات، تبدو ابواب التسوية بين الرجلين موصدة تماماً. من دون التوصل الى مخرج يرضيهما، سيظلان متهمين بإيواء جناة وفارين من القضاء. الاهم انهما سيبقيان الشارع الدرزي في انتظار شرارة ما.