أول من أمس، جرفت القوى الأمنية بقرار من بلدية بيروت ومحافظها زياد شبيب المنشآت والمعدات التي كانت تستعملها حملة «الأزرق الكبير» في المسبح الشعبي في الرملة البيضاء. منسقة الحملة، عفت شاتيلا التي نشرت ما حصل، أشارت الى أنه «تم التضليل بنا وتخريب المعدات التابعة للمديرية العامة للنقل، من دون انذار مسبق من بلدية بيروت وخلافا للاتفاق مع رئيسها حول تنظيم الشاطئ وتجهيزه لفصل الصيف بالتعاون مع الحملة». رئيس بلدية بيروت نفى في اتصال مع «الأخبار» أن يكون قد أخل بالاتفاق مع المدير العام للنقل البحري والبري عبد الحفيظ القيسي شارحا ما جرى: «اتفقت مع مدير المسبح الشعبي نزيه الريس خلال جولتي على الشاطئ منذ شهرين على ترتيب التجهيزات الموضوعة هناك لتحسين وضع المسبح العام وترتيبه. يومها رأينا معدات قديمة و«مجنزرة» كالدوش وغرف تبديل الملابس ووجدنا غرفة تحت الرصيف فيها مخلفات مكسورة وبقايا فرش غير صالحة للاستخدام. اقترحنا ازالتها واستبدالها بتجهيزات جديدة، فطلب منا الريّس العودة الى المديرية العامة للنقل. تواصلنا مع القيسي واتفقنا على ازالة الخردة السبت الماضي، مع الابقاء على المطعم والكيوسك. ولدى تنفيذنا الاتفاق، أصرّ محافظ بيروت على التخلص من المطعم والكيوسك أيضا مشيرا الى أن هذه مسؤوليته القانونية وأن لا ترخيص للمنشآت، فالأرض ليست عامة انما ملك خاص».
شبيب: البناء ممنوع
للمحافظ زياد شبيب رأي مختلف عما سبق، فهو ينفذ انذارا أرسله منذ عام 2017، ما يسقط «ادعاء الجمعية البيئية جرف معداتها من دون سابق انذار». وقال لـ«الأخبار» ان «المنطقة هناك غير قابلة للبناء وفقا للقانون الا أن المكلفين بادارة المسبح لم يلتزموا به وقاموا ببناء انشاءات ثابتة». ذلك لا يعني بحسب شبيب، «منع حملة الأزرق الكبير من استعمال الشاطىء لتسهيل أمور رواده أو يتعارض مع صلاحية المديرية العامة. الا أن حدود استعمال الشاطىء يقتصر على وضع مظلات وطالولات لا وضع انشاءات وتجهيزات من دون ترخيص والتلطي تحت ستار المديرية». لكن هل جرى ذلك حفاظا على الملك العام أم بتكليف خاص من أصحاب العقار، أكانت عائلة الحريري أم رجل الأعمال وسام عاشور لغاية خاصة؟ «لم يكن أحد على علم بحملتي لازالة المخالفات عن الشاطىء العام لا أصحاب العلاقة ولا غيرهم»، يؤكد شبيب. اذا لماذا لا يتم التوجه الى التعديات البحرية الكبيرة التي تنفذها المقاهي والفنادق على طول شاطىء بيروت، هل يملك هؤلاء تراخيص؟ «كلا، لا تراخيص لدى أحد، وقد أرسلت قرارات وكتب بتوقيف هذه التعديات في الوقت نفسه التي كانت تجري فيه الأعمال. الا أن القوى المنية لم تنفذ القرارات والكتب التي أرسلتها ومن المعروف أن ايقاف مهندسي البلدية للتعديات يحتاج الى مؤازرة أمنية. ولكني سأرسل ملف التعديات كاملا قريبا الى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، حتى يصار الى تنفيذ القرارات كلها».
يقول عيتاني إنه لم يخل بالاتفاق لكن شبيب هو من أمر بازالة المطعم والكيوسك


مصادر حملة «الأزرق الكبير» تؤكد عدم حصولها على اي إنذار قبيل ثلاثة أيام مماثل للانذار الذي أرسله شبيب الى الايدن باي في 7 حزيران الماضي. وتشير الى أن لا سلطة لشبيب عليها لا من قريب ولا من بعيد، فعلاقته يفترض أن تكون محصورة بالوصي على الأملاك العمومية البحرية أي المديرية العام للنقل البحري والبري. والتجهيزات الموجودة هناك والانشاءات ملك لهذه المديرية وبإذن منها. والدليل أننا لم نوافق على رفع المعدات المهترئة من قبل البلدية الا بالعودة الى المديرية. قرار المحافظ هو اساءة استعمال للسلطة ونطلب من القضاء وضع يده على الملف”، تختم المصادر.

الحريري واستثمار الملك العام
قصة العقارات الثلاثة التي تشكل المسبح الشعبي لأنها أملاك عمومية بحرية بطبيعتها تعود الى العام 2003. كانت العقارات ملكا لعائلة الحريري ويعتزمون بناء مشروع تجاري عليها. انتفض أهالي بيروت على خصخصة الشاطىء، فاضطر الحريري الأب الى التراجع عن المشروع ووضع العقارات بعهدة شركة دياب لتكلف الدولة باستثمارها. وكلّت الشركة المديرية العامة للنقل بتنظيم المسبح عبر عقد ثنائي بينهما. وعلى هذا الأساس خط القيسي اتفاقا مع جمعيات بيئية لادارة الشاطىء وتسهيل امور مستخدميه منذ العام 2004. تُجدّد الرخصة في وزارة الأشغال سنويا وهو ما حصل تماما في نيسان الماضي. ويقول شبيب أن «هذا الترخيص لصيانة الموقع فقط ولا يعطي الاذن بالبناء أبدا». ظل الأمر على ما هو عليه الى نيسان 2016، عندما أصدرت البلدية قرارا بشراء عقارات المسبح الشعبي بقيمة 120 مليون دولار من مالكها رجل الأعمال وسام عاشور صاحب مبنى «الايدن باي». قيل آنذاك أن فهد الحريري باع العقارات لعاشور قبل أن يتبين أن الأخير مجرد واجهة للحريري. علما أنه قد سبق لعاشور أن حاول تسييج الشاطىء لجعله ملكا خاصا محصنا بقرار قضائي قبل أن تتحول الى قضية حق عام ويعترض شبيب نفسه على التسييج. فقرر آل الحريري عندها بيع العقارات لمعرفتهم المسبقة بتعذر استثمارها والخسارة التي سيتكبدونها في حال منع البيروتيين من استعمال شاطئهم العام وهو آخر متنفس مجاني لهم في المدينة. التداخل بين عاشور والحريري، كشفه توكيل شامل من قبل عاشور لصالح المسؤول المالي الخاص برئيس الحكومة سعد الحريري وليد السبع أعين، يتيح للأخير التصرف بكل ممتلكاته بالطريقة التي يحلو له. والأخير هو من كان يناقش قيمة الصفقة المالية مع البلدية وليس عاشور. وَضِع عائلة الحريري لعاشور في الواجهة، ليس سوى حفظ لماء وجههم أمام البيارتة، عبر وسيط تربطه والعائلة علاقة عمل قديمة. عند انكشاف الصفقة، خرج رئيس الحكومة سعد الحريري ليطمئن البيارتة أن مسبحهم الشعبي سيبقى لهم؛ من دون أن يتم التنازل عن هذه العقارت لصالح بلدية بيروت حتى يثبت ذلك بالفعل. وهو ما تستند اليه بعض الجمعيات الأهلية للتأكيد أن «اخلاء الشاطىء مقدمة لتلزيمه الى شركة خاصة لاقامة مشروع مماثل لمشروع الايدن باي أو الزيتونة باي وفق الخطة القديمة». فعاشور افتتح فندقا مخالفا لقانون البناء ومن دون رخصة إشغال ولا دراسة أثر بيئي ولا رخصة سياحية. وصدر بحقه قرار من مصلحة الهندسة بمخالفات بناء تستدعي هدم الطبقات العلوية، من دون تحرك القوى الأمنية لازالتها. استتبع الأمر بسدّ عاشور ريغار الرملة البيضاء الرئيسي بالاسمنت والتسبب بفيضان المجارير على الكورنيش على مرأى من شرطة بيروت، ومن دون محاسبة أي محاسبة حتى اليوم رغم فتح تحقيق قضائي بالحادثة منذ تشرين الثاني 2018. وذلك، تتابع المصادر، «يجعلنا نطعن بالغاية من وراء ازالة انشاءات الأزرق الكبير حصرا من دون المسّ بالتعديات الكبيرة على طول الشاطىء حيث يحتاج الأمر الى جرأة حقيقية بمعزل عن الاستقواء على الضعفاء».