منزل الرئيس تمام سلام، أمس، بعد تأليف الحكومة، لا يُشبه إلا يوم التكليف. آنذاك، غصّ منزل المصيطبة الأبيض بحشود مهنّئة، سياسية وشعبية، وانهالت على صاحب الدار عبارات الثناء بصفته المعتدل والوسطي وابن البيت العريق. كان ذلك أول غيث الدعم الداخلي، وتحديداً البيروتي، قبل أن يتحوّل هذا الصخب إلى هدوء كان يزداد هدوءاً مع كل يوم تأخير أعاق ولادة الحكومة.
أمس عادت الحياة مجدداً الى القصر الأبيض. قبل الموعد المحدّد للاستقبالات الرسمية بساعة ونصف ساعة، غصّ المنزل وحديقته بالبيروتيين. كثيرون جاؤوا ليباركوا لـ «تمام بيك» تأليف الحكومة، بعدما كانوا قد هنأوا والده الرئيس صائب سلام بالمنصب عينه أكثر من مرة. منذ الصباح الباكر، ارتدوا ملابسهم الرسمية، وتجمهروا بطريقة عشوائية، في الباحة الخارجية وأمام باب المنزل وفي أروقته الداخلية، فيما تولّى فريق الرئيس سلام استقبالهم بالحلوى والشوكولا والقهوة. كل ذلك، وسط إجراءات أمنية شبه غائبة. محيط البيت، كالعادة، لا يشي بأن رئيس حكومة يقطن هناك! بإمكان أي مواطن عادي الدخول، من دون الاستفسار عن هويته أو اسمه حتّى. سيدات بيروتيات حضرن بكامل أناقتهن، وأخريات بسيطات المظهر. رجال أعمال وأصحاب «مكانة مرموقة»، وآخرون من «عامة الشعب». كان «حضور» الرئيس صائب سلام و«أفضاله» طاغيين على الموجودين، وإن كان الزمن غير الزمن. فلهذا المكان «أفضال غير قليلة» عليهم.
عند العاشرة والنصف، أطل «البيك» على زوّاره. وقف، وزوجته السيدة لمى، ساعات لاستقبال المهنئين. صفّ يخرج، ليحل محلّه آخر، وابتسامة سلام لا تغادره. نادى البعض بأسمائهم وحيّا الجميع بحرارة، كانت تزداد إذا كان المهنئ من أصدقاء الاب الراحل أو مؤيديه. حمل أحدهم عودَه، وأبى إلا أن يُغنّي لرئيس الحكومة تعبيراً عن تأييده. آخرون ردّدوا أبياتاً من الشعر أو الزجل. وفيما غاب جيل الشباب، فتحت دارة سلام أبوابها لأجيال عاصر بعضها سلام الأب، كانوا إلى جانبه، وفي صلب ماكينته الانتخابية.
«مبروك للأوادم». «ابن البيت الأصيل». «بيك ابن بيك»، «ما بيصح الا الصحيح»، و«هلق رجع العزّ لبيروت». عبارات تكرّرت أكثر من مرّة. دخلت إلى أُذن سلام وعائلته، فزادتهم ثقة. يدير سلام وجهه، كلما استطاع، إلى صور أبيه الموزعة على الجدران. وكأن به يقول في قرارة نفسه «أخيراً استرجعنا حقنا».
حالما أشارت عقارب الساعة إلى الحادية عشرة، بدأت سيارات رسمية بالتوافد. أبرز الحاضرين، وزراء جدد في الحكومة السلامية. تحت سقف واحد اجتمع المشنوقان، محمد ونهاد. الأول ابن المصيطبة، والثاني ابن الدائرة. الأول حضر كوزير صديق للعائلة. تسمّر إلى جانب الرئيس منذ دخوله حتى لحظة مغادرته. والثاني كوزير اللحظة الأخيرة في الداخلية. وقف نهاد المشنوق ليتقبل التهاني ويشكر الناس بدوره. لفت الجميع بحضوره. بدا كمن يسيّر دفّة وزارته قبل تسلمها. هذه المرة لم تكُن النائبة ستريدا جعجع من لفتت الأنظار إليها. بل زوجة وزير البيئة محمد المشنوق، التي شدّت الانتباه أكثر من زوجة رئيس الحكومة. مع أن السيدتين، يُسجل لهما هدوؤهما، وابتعادهما عن الاستعراض، فيما سجّل حضور نادر الحريري ممثلاً الرئيس سعد الحريري، دخل الرجل لدقائق معدودة، وغادر من دون الإدلاء بأي تصريح، مؤكداً أن زيارته للتهنئة «وليست سياسية».