انطلقت جلسات استجواب المتهمين بتنفيذ أكبر عملية قرصنة إلكترونية في تاريخ لبنان، خليل صحناوي ورامي صقر وإيهاب شمص، أمام هيئة المحكمة العسكرية الدائمة أمس، بعد ردّ الدفع الشكلي الذي تقدّم به وكيل صحناوي، نقيب المحامين السابق بطرس ضومط. بدأ رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبد الله بالاستماع إلى المدعى عليه صقر المتّهم مع شمص بـ«قرصنة مواقع أمنية عائدة لقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة بطلب من صحناوي ومساعدته التقنية، بعدما زوّدهما صحناوي ببرامج قرصنة واختراق شبكات، الأمر الذي مكّنهما من الحصول على المعلومات المسروقة». سرد صقر لهيئة المحكمة حكايته مع القرصنة الإلكترونية. حكى عن هواية كبُرت معه، رغم أنّه لم يُكمل دراسته الجامعية بسبب سوء الأحوال المادية، لكونه معيلاً لوالدته المريضة، ما اضطرّه إلى العمل. صقر عمِل مبرمجاً منذ عام 2010، قبل أن يتعرّف إلى صحناوي عام 2013 خلال مؤتمرٍ عن حماية المعلومات في بيروت. يومها تلقّى صقر رسالة من صحناوي عبر موقع الـ linkedin يُعلمه فيها أنّه يودُّ التعرّف إليه. ومنذ ذلك الحين، بدأ العمل معه في شركة krypton. صقر ذكر لرئيس المحكمة أنّه قرصن عدداً من المواقع الحكومية قبل تعرّفه إلى صحناوي، وتحديداً في عام 2012، كاشفاً أنّه وضع صورة لـ«رجل فقير يُطعمه شخصٌ غني». وعن دافعه إلى ذلك قال: «كانت والدتي مريضة، ولم أستطع إدخالها إلى المستشفى. كذلك فإنّ وزارة الصحّة لم تتكفّل بذلك.
خليل صحناوي: قريبي الوزير نقولا صحناوي أهداني البندقية

من قهري، قرصنت وحطيت صورة الفقير». وكشف صقر أنّ استخبارات الجيش عرضت عليه العمل معها، لكنّه رفض لأن الراتب متدنٍّ. سأل العميد: «ماذا طلب منك خليل صحناوي؟»، فأجاب: «ما طلب مني فوت على إشيا أمنية. زوّدني ببرامج، لكنه لم يطلب مني الدخول إلى مراكز أمنية». وأضاف صقر: «برامج مسرّبة من وكالة الأمن القومي الأميركي، لكنّها موجودة أونلاين». هنا سأله العميد: «إذا موجودين، ليه أخذتن من خليل؟» فأجاب: «لم أكن أعلم بشأنها، ولاحقاً اكتشفت أنّها متاحة لجميع الناس». عاود رئيس المحكمة السؤال: «زوّدك صحناوي بهذه البرامج، وماذا قال لك؟»، ردّ صقر: «قال لي شوف كيف فينا نستفيد منهم بشغلنا في حماية المعلومات». سأله العميد عن توقيت تزويده بهذه البرامج، فردّ صقر بأنّ صحناوي أعطاه إياها بعد 3 سنوات من تركه العمل لديه، علماً أن العلاقة بينهما لم تنقطع يوماً. سأله عن السبب، فردّ صقر بأنّ الشركة لم تكن تؤمّن له دخلاً كافياً، لكونها تعتمد على أجانب. كذلك ذكر صقر أنّه زوّد صحناوي بالداتا المقرصنة، لأن لدى الأخير علاقات واسعة، بحيث يمكنه تقديم عروض لهذه الشركات. بمعنى آخر، يزعم صقر أنه كان يُجري مسحاً لجميع المواقع، لمعرفة إمكانية اختراقها، ثم يبلغ صحناوي بذلك، ليُصار إلى تقديم عرض لحماية هذه الشركة. توسّع العميد عبد الله مع صقر بشأن المواقع التي اخترقها. فذكر أنّه لم يجد شيئاً لدى أمن الدولة، فيما عثر على ملف في البريد الإلكتروني للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بشأن عرض مقدّم من إحدى الشركات. كذلك ذكر أنّه اخترق الحساب الإلكتروني لضابط من آل قشمر، لكنه لم يجد فيه شيئاً. هنا علّق صقر قائلاً: «ربما لم يكن هذا حسابه الناشط». وعرض عبد الله على شاشة عشرات المواقع التي اخترقها صقر: «برقيات حول كاميرات المراقبة ومعلومات عن الضباط وأرقام هواتفهم ومواقع عملهم ومعلومات عن رتباء وأفراد والمعاشات وبونات المحروقات وعدد من الوزارات ورئاسة الحكومة وشركات الإنترنت وصحف وأوجيرو وهيئة إدارة السير والبريد الإلكتروني لغالبية الضباط، فعلّق على النقطة الأخيرة: «زايدينها شوي. بس صدقاً كان لدي معلومات لم أعلم بوجودها أصلاً»، لكون المقرصن كان يقوم بتنزيل جميع المواد الموجودة على الموقع المستهدف من دون مراجعتها. هنا تدخّل ممثل النيابة العامة القاضي فادي عقيقي ليسأل: «هل كان الهدف معرفة الثغرات بهدف التقدم بعروض لحمايتها والحصول على مال جرّاء ذلك؟»، فأجابه صقر: «نعم، لكن أنا لم أستفد مالياً. ما دُوّن لدى فرع المعلومات عن قبضي مبالغ مالية غير صحيح. تعرّضت للضرب هناك. لم آخذ من صحناوي سوى 2000 دولار استدنتها منه لشراء بطارية لقلب أُمي وسأعيدها متى استطعت ذلك». وأضاف صقر: «لقد أبلغ صحناوي شركة أوجيرو أنّهم مخترقون وأن لديهم مشاكل». سأل عقيقي مجدداً: «هل كان بإمكان المقرصن تعديل أو حذف معلومات من هذه المواقع؟»، فرد صقر: «بعض المواقع كان يُمكن التعديل أو الحذف فيها، والبعض الآخر لا»، علماً أنّه أجاب في وقت سابق بأنّه لم يُعدّل في أي من المواقع التي اخترقها. هنا عاود القاضي عقيقي سؤاله: «هل كلّفك خليل صحناوي ذلك؟»، فأجاب: «لا. لم أقل إني كنت مكلّفاً. ولم آخذ مقابل أصلاً». هنا تابع رئيس المحكمة الاستجواب: «هل كل الداتا التي كنت تحصل عليها، كنت تزوّد خليل صحناوي بها؟»، فردّ صقر : «نعم. أعطيته داتا ثلاث أو أربع مرات». وذكر صقر أنّ صحناوي في إحدى المحادثات لاحقاً، طلب منه تزويده بالداتا التي لديه مقابل الدَّين الذي له في ذمّته.
وعن علاقته بالمدعى عليه الثالث شمص، قال صقر إنها تعود لعام 2010، لكونهما يتشاركان الهواية نفسها، نافياً وجود أي معرفة بين صحناوي وشمص. ورداً على سؤال عن المدة التي كان يستغرقها للدخول إلى هذه المواقع، قال: «كانت سريعة. ما في نظم حماية. أي شخص كان بإمكانه الدخول. أحياناً بكبسة زر واحدة كان ينتهي الأمر».

كشف صقر أنّ استخبارات الجيش عرضت عليه العمل معها، لكنّه رفض لأن الراتب متدنٍّ جداً


السؤال نفسه كرره رئيس المحكمة بأشكال مختلفة: «لماذا كنت تدخل إلى المواقع... هل بهدف القرصنة؟»، وكان صقر يُجيب: «لا. مجرّد هواية». سأله إن كان صحناوي قد طلب منه قرصنة مواقع أمنية، فأجاب: «كلا لم يطلب. أخبرتك أني بدأت بذلك قبل التعرّف إلى خليل». وبرز بين الأسئلة سؤال أحد المحامين: «هل نصحه خليل بالتوقف عن أعمال القرصنة؟» فأجاب: «نعم، لأوجيرو». وردّاً على سؤال إن كان صحناوي يعلم أن بين هذه المعلومات ما يتعلّق بقوى الأمن، أجاب: «لم أُخبره بذلك»، لكنه لفت إلى أن صحناوي زوّده ببرنامج الاختراق ولم يطلبها هو.
كذلك استجوب رئيس الحكمة صحناوي بجرم حيازة أسلحة حربية وذخائر وأعتدة عسكرية، بعدما عُثر في منزله على مسدسين ورشاش كلاشنيكوف ورشاش فرنسي وبنادق صيد وبزتين للجيش ورشاشات ومسدسات بلاستيكية. ولدى سؤاله عنها، ردّ صحناوي بأنّه يملك ترخيصاً، وأبرز ترخيص مسدس مختلف وبندقية مختلف، مشيراً إلى أن البزة العسكرية تركها تذكاراً من الجيش، قبل أن يُقدّم وكيله براءة ذمة من الجيش وتصريح بأنّه سلّم الأعتدة التي لديه، وأنّ البزتين اشتراهما بماله الخاص. هنا علّق رئيس المحكمة بأنّ التراخيص تُجيز حمل بندقية واحدة ومسدس واحد، فردّ صحناوي بأنّ الباقي «كولكشن قديم». ولدى سؤاله عن رشّاش قديم لديه، أجاب: «أهداني إياه قريبي كتذكار من الحرب العالمية الثانية». سُئل عن هوية قريبه، فردّ بأنّه النائب نقولا صحناوي. وقضت المحكمة بتغريم صحناوي ٣٠٩ آلاف ليرة وإعادة السلاح المرخّص ومصادرة غير المرخّص مع المسدسات والبنادق البلاستيكية.
أُرجئت جلسة محاكمة المدعى عليهم الثلاثة إلى 11 نيسان المقبل.