لم يكن الرئيس فؤاد السنيورة موفقاً في مؤتمره الصحافي الأخير. الواضح أنه يشعر بضيق كبير. الأمر، هنا، لا يتعلق باتهامه ولو بطريقة غير رسمية بالمساهمة في تحمل المسؤولية عن «غياب الوضوح» بالنسبة إلى الحسابات المالية للدولة طوال سنوات عدة. ضيق السنيورة سببه خشيته من أن يُترك وحيداً، وخوفه الحقيقي تخلي إدارة الرئيس سعد الحريري الحالية عنه، وتحويله إلى «كبش فداء»، وتحميله وحيداً مسؤولية كل أخطاء الفريق الحريريّ منذ العام 1993.مجموعة من الملاحظات:
أراد السنيورة أن يحوّل مؤتمره الصحافي إلى مهرجان تضامني معه. كان مقربون منه يتوقعون أن يطلق الحاضرون تصريحات منددة بالاتهام. وقد حرص رئيس الحكومة السابق، خلال الساعات التي سبقت المؤتمر، على توفير تغطية إعلامية واسعة، تجعل موقفه يتجاوز موقع المدافع عن نفسه، ويحوله إلى قضية سياسية بامتياز.
بعض من يدعمون موقف السنيورة، ويرفضون كل ما يصدر عن حزب الله، وجدوا رئيس الحكومة الأسبق مرتبكاً ومتوتراً. والمشكلة تكمن في كون أي متضامن مع السنيورة، لا يمكنه سرد أي معلومة واضحة للدفاع عنه. فكيف إذا كان في تيار السنيورة من يعتقد أنه بات على الرجل التقاعد.
غالبية الفريق الذي حضر تنتمي فعلياً إلى تجمع القوى والشخصيات التي صارت خارج المشهد الفاعل سياسياً، بسبب طبيعة التسوية الرئاسية من جهة، وطبيعة التسوية التي رافقت تشكيل الحكومة من جهة ثانية. وهو فريق لديه مشكلة دائماً مع حزب الله وحلفائه، لكن مشكلته الأكبر ،اليوم، مع الرئيس سعد الحريري ومع «القوات اللبنانية» ومع الذين انخرطوا في التسوية. وقد يكون من المفيد لفت انتباه من يهمه الأمر إلى أن هؤلاء يمثلون آخر ما بقي من قوى وجيش 14 آذار. وقد يكون صعباً عليهم الإقرار بأن التسوية التي قامت على أساسها الحكومة الحالية، قد أجهزت نهائياً على فكرة 14 آذار وشعاراتها.
صحيح أن طبيعة الاتهام العام الذي وجهه النائب حسن فضل الله يصيب السنيورة أكثر من غيره، لكنه اتهام يمكن تحويله إلى مضبطة بحق كل من تولى المسؤولية عن أموال الدولة منذ ربع قرن. وبالتالي، كان الأجدر بالرئيس السنيورة أن يقول إنه لا يعارض تحقيقات شاملة في الملف، وكان الأجدر به المطالبة بضمانات أن تكون التحقيقات شفافة تتيح تبرئته إن كان غير متورط، وتتيح الوصول إلى تحديد المسؤولية عن الجناة الحقيقيين.
الاتهام يطاول كل الحكام، ومن حق الناس التعرف إلى ثروات هؤلاء الحالية بعد ربع قرن من الحكم


إذا كان السنيورة أكثر المتحسسين من الإشارة إلى الـ11 مليار دولار، فإن الاتهام الوارد في بيان النائب فضل الله، يجعل قضية الـ11 ملياراً جزءاً من قضية أشمل. وبالتالي، فإن آخرين كثراً، لم يحضروا في قاعة نقابة الصحافة، لكن قلوبهم كانت ولا تزال مع السنيورة، وهم يرغبون بإقفال هذا الملف بصورة نهائية وعدم العودة إليه. ومن هنا نفهم النشاط الحثيث القائم على أكثر من جبهة، للوصول إلى حل عنوانه «تصفير الحسابات» مرة جديدة.
يجب على وزير المال أن يطلب هو - لا أن يسمح - من المدير العام للمالية ألان بيفاني عقد مؤتمر صحافي والرد على اتهامات السنيورة له، ليس فقط إفساحاً في المجال أمام الرجل للرد على اتهامات مباشرة وجهت إليه، بل لتقديم توضيحات يحتاجها اللبنانيون. وهي لم ترد أصلاً لا في بيانات النائب فضل الله ولا في كلام السنيورة. وصمت وزارة المال، وبيفاني على وجه التحديد، يعني أن هناك من يريد تغطية أكبر عملية تضليل يتعرض لها الجمهور اللبناني. وهي عمليه يشنها البعض علناً (السنيورة)، لكن الأهم، هم الذين يخشون المحاسبة العامة وجلّهم من قيادات تعاقبت على حكم البلاد منذ انتهاء الحرب.
لكن مهلاً...
لنفترض أن الاتهام له خلفية سياسية وحزبية و...الخ. هل هذا يمنع السؤال عن حقيقة وسبب تراكم ثروات فئة صغيرة جداً من اللبنانيين خلال ربع قرن من الفساد وسرقة المال العام؟ وهل الاتهام يمنع مساءلة جميع المتعاقبين على الحكم عن مصدر نفوذهم المالي - وبالتالي السياسي - غير العصبيات الطائفية؟
لذلك، تعالوا نتوجه إلى القادة العظام الموقرين، من كل الطوائف والمذاهب والملل والمناطق والفئات السياسية والاجتماعية، وأن نطلب منهم، رغبة في تبرئتهم جميعاً من تهم الفساد واستغلال السلطة، بأن يتقدموا أمام اللبنانيين، جميعاً ومن دون استثناء، بما في ذلك كل موظفي الفئة الأولى وكل العاملين في الإعلام أيضاً، ببيانات مالية وبيانات ملكية، تظهر ما كان عليه وضعهم قبل 25 سنة، وتظهر حالهم اليوم. ومن تظهر المعطيات أنه أصيب بانتفاخ كبير، ليشرح لنا السبب، ولا أعتقد أنه يغيب عن بال أي منهم، مصدر كل قرش دخل جيوبهم أو حساباتهم.