لم يحقق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، النتائج المؤمَّلة من الحملة الدعائية والتحريضية التي نفذتها المؤسسات الإسرائيلية بعناوينها السياسية والإعلامية والأمنية ضد حزب الله، في أعقاب ما أعلنه جيش العدو عن اكتشاف نفق ممتد من الأراضي اللبنانية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولم تنجح محاولاته في قلب صورة المعتدي والمعتدى عليه داخل الساحة اللبنانية، إلا لدى الذين تشكل مواقفهم صدى لمواقف العدو وخطابه السياسي والإعلامي.هذه النتائج جعلت الانتقال إلى المرحلة الثانية من الحملة الإسرائيلية أكثر إلحاحاً، وذلك استكمالاً لخطة توظيف الحدث، في محاولة لتحقيق ما يطمح إليه في الساحتين الإسرائيلية واللبنانية، إضافة إلى الساحة الدولية. على هذه الخلفية، انتقل نتنياهو إلى التوظيف الدولي والتحريضي المباشر، بعدما غلبت على المرحلة الأولى محاولة إقناع الداخل الإسرائيلي، واستدعى لهذه المهمة عدداً من السفراء الأجانب، إضافة إلى رفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي.
على المستوى الداخلي، لم يتمكن نتنياهو من إنتاج إجماع إسرائيلي على أهمية هذه الخطوة ومفاعيلها، في مضمونها وتوقيتها وخلفياتها. ولم ينجح في إقناع العديد من الجهات السياسية والإعلامية بحجم الإنجاز العملاني والاستخباري، على افتراض صحة الرواية الإسرائيلية. كذلك لم يستطع، في السياق نفسه، أن يبدد شكوك الكثيرين في الداخل الإسرائيلي، إزاء خلفية وأهداف الضجيج السياسي والإعلامي الذي يتعمده، وعلاقته بأزماته القضائية والحكومية.
في المقابل، أدرك الإسرائيليون، على المستويين السياسي والإعلامي، محدودية مفاعيل الحملة على الداخل اللبناني. هذا ما استفز العديد من المعلقين والجهات السياسية في شأن التباين الواسع بين حجم الحملة السياسية والإعلامية الإسرائيلية، وبين مفاعيل الإنجاز الإسرائيلي التكتيكي المفترض في الداخل اللبناني. ومع أن الرواية الإسرائيلية المتصلة بالعثور على نفق باتت معلومة بمجملها، إلا أن تل أبيب لم تلمس مفاعيلها المرجوة من ذلك. هذا ما دفع نتنياهو إلى التعبير عن انزعاجه من الوضع السائد في لبنان، على المستويين السياسي والإعلامي أيضاً، لجهة الموقف من المقاومة، إذ اعتبر خلال جولته مع السفراء على الحدود، أنهم في لبنان «لا يحتجون (على حزب الله) وينبغي أن يفعلوا ذلك... هم لا يُعبرون حتى عن احتجاج هادئ. عليهم أن يعملوا بكل طريقة ممكنة من أجل وقف ذلك، وهم لا يفعلون ذلك». هذا ما يشكل دعوة علنية من قبل نتنياهو للانتفاض ضد حزب الله. لكن مشكلة رئيس الوزراء الإسرائيلي، وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، في تقديراتهم ومطالبهم، وبصرف النظر عن الرواية الإسرائيلية، أنهم يغفلون عن حقيقة أن بيئة المقاومة وجمهورها تنظر إلى حزب الله على أنه - إلى جانب الجيش اللبناني - الدرع الواقية للبنان في مواجهة أي عدوان إسرائيلي.
أفرغ نتنياهو خلال جولته مع السفراء كل مفردات الدعاية التحريضية، التي يحاول ترويجها، كما لو أنها مسلمات في قراءة المشهد القائم مع لبنان. اعتبر أن النفق - بحسب الرواية الإسرائيلية - «تجسيد للعدوانية». طبعاً، هو يتجاهل الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على لبنان، من خلال خروقاته الجوية... إضافة إلى التهديدات المتواصلة باستهداف البنية التحتية اللبنانية. ولم ينسَ نتنياهو استحضار البعد الإيراني في محاولة لإضفاء أبعاد خارجية على معادلة الردع التي حققتها المقاومة لحماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية.
أما في ما يتعلق بتهديد لبنان، فقد نقلت تقارير إعلامية إسرائيلية عن نتنياهو قوله: «هناك إمكانية معقولة أن نضطر إلى العمل في لبنان». حول ذلك يمكن تسجيل الملاحظات التالية: لم ينقل الإعلام الإسرائيلي تهديد نتنياهو عنه مباشرة، بل بالاستناد إلى ما نقله عنه «مصدر سياسي إسرائيلي رفيع». وفي المضمون، يُلاحظ وجود حرص شديد على عدم الالتزام القطعي بتنفيذ اعتداءات مباشرة، بل إنّه حاول الجمع بين التهويل وإمكانية التراجع، وذلك الحديث عن «إمكانية معقولة...». هذا أمر مفهوم في ضوء معادلة الردع القائمة مع حزب الله على الساحة اللبنانية. لا يقدم نتنياهو جديداً عندما يكرر تهديداته إزاء لبنان، وهذا أمر كان قائماً قبل وبعد النفق المفترض. سبق للعدو أن نفذ اعتداءات عسكرية وأمنية في أكثر من محطة سابقة. هذه سياسة إسرائيلية غير مرتبطة بهذا الحدث أو ذاك، وما الانكفاء عن هذا الخيار، عملانياً، إلا نتيجة حسابات الكلفة والجدوى التي تحكم صانع القرار السياسي والأمني.
الخوف الذي تحرّك لدى المستوطنين لن تنجح سياسات التهويل في استبداله بالشعور بالأمن


بعيداً من السياق التوظيفي للحملة التحريضية الإسرائيلية، التي استندت إلى «إنجاز تكتيكي» مفترض، إلا أن الصراخ الإسرائيلي على المستويات السياسية والإعلامية وفي الساحات الداخلية والدولية والإقليمية، إنما يعكس حجم الرعب الإستراتيجي الذي أثاره الحديث عن سيناريو الأنفاق، وذلك بعدما انتقل إلى مرحلة جديدة في وعي المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة. هكذا، ما حركته الآلة العسكرية الإسرائيلية من مخاوف، لدى هؤلاء المستوطنين، لن تنجح كل الاستعراضات وسياسات التهويل في استبداله بالشعور بالأمن. لقد أيقنوا صحة مخاوفهم التي سبق أن حذَّروا منها قياداتهم السياسية والعسكرية. عموماً، يُتوقع في هذا السياق أن نشهد لاحقاً الكثير من الفصول التي تحكي قصص الرعب التي يعيشها المستوطنون.