في تعداد لإنجازات العهد الرئاسي الذي يستعد لطيّ سنته الثانية، لا يملّ التيار الوطني الحر ومستشارو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تعداد قانون الانتخاب وإجراء الانتخابات النيابية والموازنة. لكن التحدي الاساسي الذي يواجهه العهد، هو في تقديم إنجاز نوعي يضعه في خانة مسيحية صرف، فتتحقق استعادة لبعض صلاحيات رئاسة الجمهورية، الأمر الذي لطالما طالب به الرئيس عون. وهو اذ دعا الى استعادتها قبل أن يصبح رئيساً، ولم ينفك عن ترداد مطالبته بتعديل الدستور لهذه الغاية، أراد تطبيقها عملياً بعد وصوله الى قصر بعبدا. وقد برز توجهه الفعلي في أكثر من محطة منذ انتخابه حتى الآن، لجهة الإصرار على إظهار دور رئيس الجمهورية ليس كحكم أو مدير أزمات أو تكرار عهود سابقة، بل كرئيس كامل الصلاحيات والدور. مع مفاوضات تشكيل الحكومة، وبغض النظر عن المناورات الداخلية، أراد عون فرض ثابتتين: الاولى، دور رئيس الجمهورية وصلاحياته ليس في توقيع مرسوم صدورها، كتوقيع شكلي، بل في لعب دور أساسي في عملية التشكيل ولو تقاطعت، أو تجاوزت دور رئيس الحكومة المكلف. قد يكون تداخل الدور السياسي لرئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، أظهر جنوحاً نحو تفرّد في إدارة المشاورات الحكومية، إلا أن رئيس الجمهورية سعى الى أن يكون لرئاسة الجمهورية الموقع المتقدم في المشاورات، وليس على طريقة الاول بين متساوين، بل على العكس تماماً، أي أن تكون له كلمة فصل من الالف الى الياء، علماً بأن هذه الرغبة تواجه، بسبب أداء التيار الوطني الحر المغطّى من رئيس الجمهورية، بانتقادات لاذعة لجهة المكاسب وتوزع الحصص واختيار الحقائب والادارة اليومية لملف تأليف الحكومة.
الثابتة الثانية، هي استعادة صلاحية رئيس الجمهورية لجهة تثبيت دوره في الحكومة. لم يكن عون سابقاً مع إعطاء حصة لرئيس الجمهورية، حين كان الرئيس ميشال سليمان في قصر بعبدا. لكن اختلف الامر اليوم، خصوصاً مع من يعرف خفايا وخبايا مشاورات الطائف، التي وإن شطبت صلاحيات لرئيس الجمهورية، إلا أنها أبقت، كما هو النص، على حقّه في توقيع مرسوم التشكيل. لكن القضية تتخطى النص المكتوب، وفق العبارة التي كانت تنقل عن الرئيس الراحل رفيق الحريري، من أن رئيس الجمهورية بعد الطائف ظل ممتلكاً لحق تشكيل الحكومة وحق فرطها ايضاً، لأن أي رئيس للجمهورية يشارك في تشكيل الحكومة يمكنه أن يختار حصة وزارية تعادل الثلث المعطّل فيها.
وهذا تماما ما يجري اليوم، لأن من يريد الإبقاء على صلاحيته في التوقيع لا يريد حكومة ليس له فيها الكلمة الوازنة والحق في تقرير مصيرها كما كان له الحق في ولادتها. ففي مفاوضات التشكيل، عادت فكرة الثلث الرئاسي المعطل لتطرح مجدداً، من دون ان يعني ذلك أن القوى السياسية قد تتجاوب معها أو أنها توافق عليها. وللتذكير، فإن هذه الفكرة رُفضَت في مفاوضات الدوحة، أي تقسيم الحكومة إلى ثلاث عشرات، منها عشرة لرئيس الجمهورية، وأعطيت قوى 8 آذار الثلث المعطل، وقد أفادت منه سياسياً الى الحد الاقصى. أما في الوقت الراهن، فتنطلق مفاوضات العهد، رئاسة وتياراً، من نقطة اساسية: أي إنجاز يمكن أن يحققه العهد ويتقدم به على سائر القوى السياسية خصوصاً عند المسيحيين؟ وأي إنجاز نوعي يتعلق بدور الرئاسة مستقبلاً، فيسجل لها ولرئيس التيار الحر الذي يصرّ رئيس الجمهورية على دوره في استعادة حقوق المسيحيين والحقائب السيادية؟
هل يقبل بري وحزب الله بإعطاء العهد ورقة رابحة ضخمة بحجم الثلث المعطل؟


وفق ذلك، يمكن قراءة المشاورات التي تدور حول الحقائب والحصص الوزارية والأعداد التي تبنى عليها قاعدة تقاسم الحصص بين رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، وتكبير حجمها، وهي عملياً حصة واحدة. في مشاورات الساعات الاخيرة، لم يظهر أي تقدم عملي في تشكيل الحكومة، لأن رئيس الجمهورية عاد ورمى الكرة في ملعب وزير الخارجية للتنسيق بينه وبين الرئيس المكلف حول الحقائب والحصص، وعلى هذه المشاورات يتوقف مسار التشكيل في الساعات المقبلة. لكن وفق التوزع الاخير ، ما قبل لقاء الحريري ــــ باسيل، يبقى لحصة رئيس الجمهورية و«التيار» تسعة وزراء وحقيبة سيادية واحدة، فهل يمكن أن يقبل باسيل بهذه الحصة، تحت ضغط الوقت والمواعيد وإصرار رئيس الجمهورية على تشكيل حكومة قبل عيد الجيش في الاول من آب، أم أنه سيستمهل أكثر، حتى يتمكن من تحقيق إنجاز نوعي يؤسّس لمستقبل الرئاسة ويثبت قاعدة جديدة ينطلق منها العهد المقبل.
المشكلة لا تقف عند رغبة «التيار» في القيام بخطوة نوعية، بل عند الأفرقاء الآخرين، وفي شكل يتخطّى ما تقوله القوى السياسية المناهضة للتيار الحر عن تضخيم حصة رئيس الجمهورية ودمجها بحصة «التيار». فمن الذي سيقبل بإعطاء رئيس الجمهورية الثلث المعطل وحق فرط الحكومة، أو على الاقل حق مقاطعة جلسات مجلس الوزراء أو فرض ما يدور على طاولته. لا يتصور أحد أن الرئيس نبيه بري أو حزب الله الذي يصرّ على نوعين من الحكومات، اما حكومة وحدة وطنية أو حكومة طرف واحد، كحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، سيحبذان هذا المنحى الجديد، وإعطاء هذا الثلث لرئيس الجمهورية و«التيار»، مهما كان موقع الرئيس الحالي في معادلة حزب الله الداخلية والاقليمية. لأن أي تكريس لهذا الحق يتعدى الإطار الآني الضيق، سيؤسّس لسابقة مستقبلية، اضافة الى أن بري لا يمكن أن يقبل في ظل الادارة الحالية للعهد والمآخذ التي يسجلها على أداء «التيار»، أن يعطيه ورقة رابحة ضخمة بحجم الثلث المعطل.