ما سُجِّل في الأيام الأخيرة هو نقيض «التفاؤل المفرط» لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، لا بل يصحّ القول إن الأمور تزداد تعقيداً مع ارتفاع وتيرة التخاطب الكلامي، ولا سيما على الجبهة الدرزية، بعدما جدد الحزب التقدمي الاشتراكي رفضه لأي تسوية خارج تسمية رئيس الحزب وليد جنبلاط للوزراء الدروز الثلاثة، بلا شريك له، ومع الحملة غير المسبوقة التي يشنّها رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان على جنبلاط، والتي بلغت للمرة الأولى حدّ التناول الشخصي ونبش أوراق الحرب الأهلية والبيت الدرزي.وعلى جبهة حزب القوات اللبنانية، رفع وزير الإعلام ملحم رياشي سقف مطالب معراب، بتأكيده أن «القوات» لن تقبل بأقل من خمسة وزراء، ربطاً بنتائج الانتخابات النيابية وقراءة قيادة التيار الوطني الحر لهذه النتائج. أما النواب السُّنة من خارج تيار المستقبل، فهم يتمسكون بموقفهم بتأكيد أحقيتهم بالتمثيل في الحكومة. لذلك، كان طبيعياً أن يجد الحريري بعد عودته، أمس، التعقيدات نفسها التي كان على بيِّنة منها منذ اليوم الأول للتكليف.
وإذا كان ملف القوات اللبنانية رهن قدرة الحريري على إجراء «صولد» سياسي معها (خفض العدد من خمسة وزراء إلى أربعة وزراء وبلا أية حقيبة سيادية)، يصرّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تمثيل كل المكونات الدرزية، والسبب ــ وفق زوار بعبدا ــ «أن الحكومة يجب أن تكون نتيجة طبيعية للإفرازات التي أنتجتها الانتخابات النيابية، بعدما أعطى قانون الانتخاب وفق قاعدة النسبية مجالاً لتمثيل أوسع مما كان عليه وفق قاعدة الأكثري، وبالتالي لماذا نؤلف حكومة وفق الأسس التي كانت تتشكل عليها الحكومات السابقة التي كانت تعكس نتيجة الانتخابات وفق الأكثري؟».
ويوضح زوار بعبدا أنه استناداً إلى قاعدة الأكثري «كان من يحصل على أكثر من خمسين في المئة يفوز بكل المقاعد النيابية والوزارية، ومن يحوز ما دون ذلك يخسر بالكامل، وبالتالي كانت الحكومات تعكس هذا الواقع المشوَّه. أما إذا استندنا إلى قاعدة النسبية، فقد تغيّرت الأمور وتمثّلت فئات لم تكن تتمثل قبلاً، وحصل توزيع عادل أكثر من السابق، وبالتالي على الحكومة الجديدة أن تكون صورة مصغرة عن هذا التمثيل، أي تمثيل المكوَّنات الدرزية، كما ارتضى المسيحيون بتمثيل كل المكونات، أقله من حاز كتلة من أربعة نواب وما فوق، ومن يتذرع بالواقع الشيعي المختلف، فالجواب البديهي أن النواب الشيعة كانوا نتيجة ائتلاف حزب الله وحركة أمل باستثناء نائب جبيل الشيعي».
إذا أخذت القوات أكثر من 4 وزراء تفتح الباب أمام الكتائب والقومي، وليس مستبعداً أن يشكل المر كتلة


ويشير زوار بعبدا إلى نقطة أساسية في مسألة حصرية التمثيل الدرزي، إذ إنه عندما يحتكر جنبلاط الوزراء الدروز الثلاثة، يصبح بإمكانه تهديد مجلس الوزراء في أي لحظة بالتعطيل، ليس بالضرورة نتيجة خلاف مع رئيس الجمهورية، بل ربما نتيجة خلاف مع رئيس الحكومة أو بسبب مطالب يريدها داخل مجلس الوزراء أو أمور يرفض إمرارها. وإذا استقال الوزراء الثلاثة أو اعتكفوا أو علقوا مشاركتهم، يفقد مجلس الوزراء القاعدة الميثاقية المعمول بها لجهة تمثيل كل الطوائف، وهذا ما حصل سابقاً، لذلك لا يمكن إلغاء تمثيل المكونات الدرزية الأخرى، خصوصاً أن القاصي والداني يعلم أن هناك خطاً يزبكياً وخطاً جنبلاطياً، وهما الأساس في تركيبة الطائفة الدرزية وتمثيلها في لبنان».
ويلفت زوار بعبدا إلى أنه «لا بد من مخرج لتمثيل النواب السُّنة خارج تيار المستقبل، لأن الحريري لا يريد الاعتراف بتمثيلهم، وهناك مخارج مطروحة للبحث والتوافق. أما القوات اللبنانية، فإن آخر عرض قُدِّم لها، هو حصولها على أربعة وزراء، ذلك أن تمثيلها بخمسة وزراء يعني سقوط قاعدة أن لكل أربعة نواب وزيراً، في المقابل، سينسحب تمثيل كل كتلة من ثلاثة نواب بوزير على حزب الكتائب والحزب القومي، ومن غير المستبعد أن يشكل النائب ميشال المر كتلة من ثلاثة نواب مع آخرين ليستحق وزيراً». وعلمت «الأخبار» أن جنبلاط سيعقد اليوم اجتماعاً لنواب كتلة اللقاء الديموقراطي، ويوجّه بعده رسائل تصعيدية.