احتاج الرئيس فؤاد السنيورة لبيان من 1700 كلمة ليُخرج نفسه مُبرّأ الذمة تجاه بلاده خلال حرب تموز. دافع في مطوّلة، رداً على «الأخبار»، عن «محاولات النيل منه ضمن منهج التجني والافتراء وتشويه السمعة والحقائق». عظيم. الحدث الجلل هو ذكر «الأخبار» مكاناً خاطئاً لإحدى الجلسات الحكومية (في مقدمة منفصلة عن المحضر). نطلب منكم السماح.جزء من المشكلة إذاً أن الجلسة إياها عُقدت في مقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لا في بعبدا، أما في ما يخص الاختصار والاجتزاء، فهو لا يمسّ الجوهر، ولا يختلف عمّا تملكه في خزانتك من أوراق.
المشكلة دولة الرئيس ليست في مضمون ردّك، فهدف «الأخبار» كشف فصول سياسية غير متاحة أمام القراء خلال أشرس عدوان عسكري على لبنان. شاءت الأقدار حينها أن تكون ربّان سفينة الحكومة.
المشكلة، حضرة النائب السابق، في ما يبدو أنه وقت فراغ لديك ولدى مكتبكم الكريم في تدبيج ردّ بهذا الحجم يدخل في تفاصيل «ما أنجزت حكومتكم» خلال الحرب. هذه الحكومة أنجزت شيئاً واحداً، هو أنها لم تنفجر وبقيت تُظهر قشور «الوحدة الوطنية» أمام الإعلام. وكل ما قيل عنها من صفات لا يغيّر من واقع رئاستكم لها شيئاً.
خصومك أرادوا أن لا تنسحب الصواريخ المنهمرة على البلاد إلى صواريخ سياسية داخل مجلس الوزراء. أي بكلام أوضح، أن لا ينفرط عقد الحكومة وأن لا تتخذ قرارات «أميركية» (تسليم الأسيرين الإسرائيليين، قوات أطلسية في الجنوب، تأليب الجيش على المقاومة).
دولة الرئيس، في الرد، تحدث مكتبكم (العاطل من العمل لغاية الأول من أمس) عن «أخطاء الأخبار»، لأن «الصحيفة أو كاتب المقال قصدا من عملية النشر... تشويه الحقائق بهدف تشويه صورة الرئيس السنيورة والفريق الوزاري...».
تعترف يا دولة الرئيس، ولك الشكر، بأنّك في ذروة الحرب، وفيما المقاومة تواجه «الكون كلّه» وحدها، كنتَ «تُعارض سياسة ومواقف وتصرفات حزب الله، ولا سيما في أمور محددة تتعلق بسيادة الدولة اللبنانية وحرية قرارها الوطني، وعلى ضرورة بسط سلطتها الكاملة على ترابها الوطني وعلى كافة مرافقها، وعلى حقها الحصري باحتكار حمل السلاح واستعماله عند الاقتضاء». أنت تقول هذا في بيانك. كنت تفعل ذلك في ساعة الحرب! أتعرف ما يُسمّى هذا؟ هناك توصيف معروف لهذا في كلّ دساتير العالم. كانت دماء المقاومين تختلط بدماء المدنيين، والدمار في كلّ ناحية، فيما كنت تُمارس، بمنتهى البرودة، معارضة الحزب الذي يُقاوم. هذا ما تقوله أنت. هذا اعتراف كافٍ مِنك، فشكراً.
الملهاة الطويلة على موقع «الوكالة الوطنية» تُذكّر بمأساة قصيرة على موقع «ويكيليكس». في الأخير ينوب عن الحقيقة صديقكم جيفري فيلتمان في توضيح سبب حنقكم من عدم تبيان «الأخبار» لـ«السلوك والأداء الرفيع والمسؤول الذي مارسته حكومة الرئيس السنيورة خلال حرب تموز، بكونها كانت على قدر وعلى مستوى خطورة المرحلة العصيبة التي كان يواجهها لبنان». فلنذكّر القراء بما كتبه السفير الأميركي في لبنان لوزارة خارجية بلاده. هنا سننقل بالحرف لكوننا استفدنا من دروسك «حول الاجتزاء».
فيلتمان في وصفه لجانبكم: «في اللقاءات العلنية، أو تلك التي يحضرها وزراء من خارج فريقه السياسي، كان يطلق مواقف مختلفة: يحمّل إسرائيل مسؤولية الدمار، وينتقدها بأشد العبارات، (البرقية 06BEIRUT2429، 20/7/2006)». ازدواجية موقفك «كشفها» فيلتمان. الأصدقاء يعرف بعضهم بعضاً. في الوثيقة الصادرة عن السفارة الأميركية يوم 6/8/2006 (06BEIRUT2542)، والمتضمنة محضر اجتماع شخصكم الكريم مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بحضور وزير الخارجية فوزي صلوخ، كنت تتحدث بطلاقة عن مشروع القرار المطروح على مجلس الأمن، محذراً من أن إصداره كما هو لن يحظى بموافقة حزب الله. وفي الوثيقة ذاتها، كتب فيلتمان ملاحظة مفادها أن السنيورة أدلى بملاحظاته «الصادقة» بعد مغادرة صلوخ، فقال للسفراء إن إقرار المشروع كما هو سيعيد وضع لبنان «تحت السكّين السوري».
■ ■ ■

في نهاية «شريط» مكتبكم الإعلامي المقطع الآتي: «يهمّ المكتب الإعلامي للرئيس السنيورة أن يتساءل عن سبب إصرار جريدة الأخبار على الاستمرار في تشويه الحقائق وإثارة الضجيج الإعلامي عبر العناوين المضخمة والمثيرة من أجل كسب انتباه القراء... ومن أجل تشويه الحقيقة الكاملة التي سعى الرئيس السنيورة طوال فترة العدوان في الحرص على حماية لبنان وحماية اللبنانيين في كل لبنان ولا سيما في المناطق التي كان يستهدفها العدو الإسرائيلي، وكذلك الحرص على المقاومين الذين هم أولاً وأخيراً لبنانيون وكانوا يدافعون وبحق عن لبنان وعن الشعب اللبناني».
جميل. كي لا ندخل في الردود مجدداً، يهمنا أن نؤكد أيضاً وأيضاً أن نشر المحاضر سيستمر، وهو ضرورة توثيقية بالحد الأدنى لكل اللبنانيين والمتابعين. أمّا في ما يخص «الحرص على المقاومين الذين كانوا يدافعون وبحق عن لبنان وعن الشعب اللبناني»، فنرى من الواجب التشديد على هذا الحرص وبما أننا كما قلت (أنت أو مكتبكم) بأنّ «المشكلة تكمن في المنهج الدائم والثابت لهذه الصحيفة في التهجم ظلماً على الرئيس السنيورة وعلى الفريق السياسي الذي ينتمي إليه»، فلن ينصفك سوى أصدقائك. هنا عيّنة إضافية من فصول سيرتكم «الفيلتمانية» (تنبيه لجانب مكتبكم: «العيّنة» هي في ما هو بين مزدوجين):
ــ أراد السنيورة الوصول إلى حل عادل «يساعد الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، ويخلق مشكلة كبيرة لحزب الله وراعييه السوري والإيراني» («ويكيليكس»، رقم الوثيقة 06BEIRUT2601، 12/8/2006).
ــ زيّن السنيورة لفيلتمان مشروع النقاط السبع التي أطلقها في مؤتمر روما (26 تموز 2006) قائلاً إن إسرائيل تحصل من خلالها «على ما كانت تسعى إلى تحقيقه منذ عقود» (06BEIRUT2504، 1/8/2006). وفي اللقاء ذاته، حذّر السنيورة من كون الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية «تغرقان في التفاصيل، وتوشكان على خسارة الهدف الرئيسي: الأمن والسلام لإسرائيل، والسلام وحزب الله المنزوع السلاح للبنان».
ــ أمَل السنيورة (06BEIRUT2489، 29/7/2006) أن تتنبّه تل أبيب إلى كون بسط سلطة الدولة اللبنانية على الجنوب هو «مفتاح أمن إسرائيل».
دولة الرئيس، السابق، في الختام نحن الذين «نتهجّم عليك ظلماً» (كما في بيانك)، ندعوك لأن تُبادر إلى نشر المحاضر الكاملة لتلك الأيّام، في صحيفتنا أو أيّ صحيفة أخرى، في «الوكالة الوطنيّة» (مثلاً) أو أيّ وسيلة أخرى، وعندها يتبيّن للرأي العام، بعيداً عن المساجلة، والقال والقيل، ما تودّ تبيانه. بذلك تكون قد وضعت حدّاً لـ«التحريف»... ونحن لك مِن المتابعين.