في جعبة الرئيس المكلف سعد الحريري اقتراحات عدة يطرحها اليوم أمام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لا تهدف فحسب إلى الدفع بمسار تأليف الحكومة، بل أيضاً إلى الخروج من مأزق سياسي دخلته كل القوى السياسية في المرحلة الأخيرة، بعدما ظهر أن خريطة التحالفات والتفاهمات السياسية تتغير.ليس سهلاً أن تتبدل المعطيات بعد الانتخابات النيابية، فتبدو القوى السياسية قد عادت إلى تموضعها القديم، مع بعض التغييرات الطفيفة. رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، يتحدث عن انتهاء التفاهم مع معراب، ويكاد ينعى اتفاقاً مسيحياً مشتركاً، ويصرّ على دوره شريكاً أساسياً في التأليف من الند للند مع الرئيس المكلف سعد الحريري. القوات اللبنانية تتمسك بالتفاهم، وتتبلغ من رئيس الجمهورية متابعته الخاصة لملف العلاقة معها، والحريري يعود إلى إحياء تفاهماته القديمة مع القوات ومع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري. تغير جوهري يضع رئيس الجمهورية أمام معطىً من نوع جديد، الأمر الذي جعله يعبّر عن استيائه من هذا التبدل في أداء الحريري، وملمّحاً إلى قدرته أيضاً على التغيير. فالحريري يتحدث بثقة عن صلاحياته في تشكيل الحكومة ويرفض المساس بها، ويطرح شروطاً لا يسهل تأليف الحكومة من دونها. وهذا أمر ليس بسيطاً في حسابات رئيس الجمهورية أو في معادلة «الماروني القوي».
لا يتغاضى عون عن مسار الحريري، يدرك تماماً أن الرئيس المكلَّف تغيّر في الأشهر الأخيرة، لكنه لا يريد قطع شعرة معاوية معه، لأنه يريد تسهيل الحكومة، ساعياً إلى تدوير الزوايا وتسهيل العراقيل. فعلاقة الحريري مع القوات ليست وحدها التي تبدلت، بل علاقته بجنبلاط، وحرصه على علاقة ودية وتنسيق تام مع الرئيس بري الذي لا يكنّ عون له الود نفسه.
تبدل أداء الحريري السياسي بعدما تبدل معظم فريقه المحيط به، وفي مقدمهم نادر الحريري المنسق الدائم مع باسيل. ولعلها النقطة الأساس التي أعادت وصل ما انقطع مع القوات، بعدما بقي الوزير غطاس خوري على خط الاتصالات معها، والوحيد من الفريق القديم. إضافة إلى معطيين مهمين، أولهما الانتخابات النيابية التي لم يحقق فيها المستقبل نتائج إيجابية في دوائر الكورة وبيروت الثانية وجزين، وحيث فاز مرشحو التيار الوطني، وثانيهما، الدور السعودي الذي يدفع في اتجاه تنسيق تام بين حلفائها و«اللحمة بين أصدقائها».
ومن يلتقِ سعد الحريري يدرك أن أداءه وأسلوبه تغيرا، بعدما عاد إلى لهجته القديمة حيال القوات، فلا تشبه تلك التي اعتمدها حيالها بعد عودته من السعودية، فيتعامل معها كحليف استراتيجي، خصوصاً في ضوء معلومات تحدثت عن أنه اطلع على رسائل وجهها رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع إلى ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد، طالباً التدخل لحلّ أزمة الحريري واستقالته من الحكومة من السعودية (أزمة تشرين الثاني 2017).
وإذا كانت العلاقة بين القوات وجنبلاط قد بقيت على طبيعتها في ظل خطوط اتصال وتنسيق مستمرين، فإن الحريري بدوره أحيا العلاقة معه، ويصرّ على إعطاء جنبلاط ما يريده، في ظل محاولة لكسر الجمود، بإحياء اقتراح بإعطائه ثلاثة وزراء، وان ليس بالضرورة أن يكونوا جميعهم من الطائفة الدرزية.
أمر واحد لم يتبدل في كل هذا المسار، هو تمسك عون بخريطة طريق يرسمها الوزير جبران باسيل، إلى تشكيل الحكومة، رغم ما تخلقه من حساسيات داخل صفوف التيار وداخل العائلة ومع كل القوى السياسية، وهو الذي حدد حتى الآن «حصته الصافية» في الحكومة التي بات معارضوه يطلقون عليها تسمية «حكومة باسيل الرئاسية». يرفض باسيل إعطاء القوات أكثر من 3 وزراء، وإذا كان قد قبل مجدداً بعشرة وزراء مع حصة الرئيس عون، فإنه مصر على انتقائهم فرداً فرداً بالتنسيق مع الرئيس وحده. بهذا المعنى يريد أن تكون حصته الوزارية كتيار وتكتل من اختياره، وهو وضع «فيتو» واضحاً وصريحاً على أسماء طرحت للتوزير من جانب فريق رئيس الجمهورية.
بين كل هذه النقاط كيف يمكن أن تولد الحكومة؟
في المعطيات المتوافرة، أن اقتراحاً جاء من جانب فريق الحريري حول حكومة من 24 وزيراً، بدلاً من ثلاثين. حتى الآن لم يلقَ الاقتراح تجاوباً من أي طرف، لأن ما يمكن حله في حكومة من 24 وزيراً يمكن أن يحل بحكومة ثلاثينية. ولا يبدو أن رئيس الجمهورية في وارد القبول بسقف أقل من 30 وزيراً، علماً أنه كان قد طالب بحكومة من 32 وزيراً لتمثيل الأقليات (العلويون والسريان).
تفاهم معراب ينص على حصول عون على وزيرين في حكومة من 24 وزيراً و3 وزراء في حكومة من 30 وزيراً


وبما أن عقدة تمثيل القوات اللبنانية أساسية، كما تمثيل جنبلاط، نشطت الاتصالات في الساعات الأخيرة، وأدت إلى دخول عون بقوة على خط التأليف، وسيفتح في لقائه مع الحريري، اليوم، باب الحلحلة الحكومية عبر اقتراحات إيجابية، والأرجح تجاوباً مع الحريري الذين ينقل إليه مطالب القوات بالوزارة السيادية، علماً أن القوات ليست متمسكة بنيابة رئاسة الحكومة، في مقابل تمسكها بحقيبة سيادية وثلاثة وزراء، (بينهم وزير دولة) بعدما أبدى عون تمسكه بنيابة رئاسة الحكومة. وتستند القوات في ذلك إلى ورقة التفاهم بين القوات والتيار الوطني، الذي تصرّ عليه وتتمسك بتنفيذه، وبحسب معلومات «الأخبار» فإن الورقة نصت على أن القوات والتيار يتقاسمان الحقائب السيادية الخاصة بالمسيحيين والوزارات الخدماتية في كل حكومات العهد، على أن يحصل رئيس الجمهورية على وزيرين في حكومة من 24 وزيراً وثلاثة وزراء في حكومة من 30 وزيراً.
لكن بقدر ما يبدي رئيس الجمهورية تجاوباً واضحاً في المحاولات الجارية لتشكيل الحكومة ويعمل على تسهيل التأليف، إلا أنه أيضاً يبدو متشدداً في مقاربة دوره ودور رئيس الحكومة في التأليف، وكذلك في تمسكه بحصة الرئيس والتيار معاً. من هنا يمكن السؤال: كيف يمكن رئيسَ الجمهورية أن يقنع الوزير باسيل بإعطاء القوات ما تريده، وأي حقيبة سيادية ستأخذها القوات، وفق اتفاق معراب، الدفاع أم الخارجية التي يتمسك بها باسيل؟ فيبقى للقوات وزارة الدفاع، وهنا يطرح أيضاً موضوع تقسيم الوزارات السيادية بين الطوائف والمذاهب، وإلى من ستعود هاتان الوزراتان. وإن لم يوافق باسيل، فالحكومة لن تبصر النور، بحسب تأكيدات الحريري والقوات سويا. وكيف يمكن حل مشكلة التوزير الدرزي إذا تمسك جنبلاط بمطلبه الأساسي بتوزير 3 دروز؟
رغم الحديث أمس عن بعض الملامح الإيجابية في مسار التأليف، فإن أشد المتفائلين يتحدث عن مرور أسابيع قبل أن تولد الحكومة.